ما العلاقة بين زيارة إيرولت «النفطية» وتقاسم الحصص والنفوذ ما بعد الانتخابات الأميركية
«المغامرة العونية» تُقلق الحلفاء: انتخاب عون في 8 آب أو قلب الطاولة!
نقاش داخلي في تيّار المستقبل حول سلبيات وإيجابيات اختيار عون
أكدت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان – مارك إيرولت إلى لبنان المؤكد السائد بأن أوان الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي وعودة الانتظام إلى عمل المؤسسات الدستورية لم يَحِن بعد، وإن كان مصدر دبلوماسي فرنسي سعى، عشية الزيارة، إلى التسريب بأنه ينقل للقوى السياسية اللبنانية رسالة فحواها أن لا وجود لمعارضة إيرانية وسعودية مبدئية لحل سياسي ومؤسساتي في لبنان، وفق ما لمسه في محادثاته الباريسية قبل أسابيع مع كل من وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وهي رسالة أَتبعها بأخرى خلال لقاءاته في بيروت ومفادها أن على اللبنانيين «لبننة الاستحقاق»، لكن سبر أغوار مواقف الأطراف أعادته إلى المربّع الأول حين وعد بالاتصال مجدداً بنظرائه الإيراني والسعودي كما الروسي من أجل استمرار التشاور لأجل انتخاب رئيس للجمهورية.
ورغم أن زيارة إيرولت تزامنت مع الذكرى العاشرة لـ «حرب تموز»، التي انتهت بالقرار الدولي 1701، والذي تشارك فرنسا في عداد القوة الدولية التي تشرف على تنفيذه، إلا أن ما لفت مراجع بارزة مجيء الدبلوماسي الفرنسي الرفيع في مهمة يدرك نتائجها سلفاً، إذ أن انتخاب رئيس الجمهورية لم يكن يوماً قراراً لبنانياً محضاً بيد الأطراف الداخلية، بقدر ما تتداخل فيه عوامل دولية وإقليمية ومحلية، ولعل الأخيرة هي الأقل تأثيراً فيه، على مرارة هذه الحقيقية. وهو الذي يدرك أن دور بلاده، على أهمية العلاقة الوجدانية بين لبنان وفرنسا، ليس دوراً مقرراً وجازماً من دون تفويض أميركي يُشكّل في نهاية الأمر الكلمة الفصل في الاستحقاق وطبيعة الرئيس ودوره ووظيفته، في وقت لا يبدو أن الغطاء الأميركي متوفر في المرحلة الراهنة التي دخلت معها واشنطن مرحلة تقطيع الوقت على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
هذا الأمر دفع ببعض الأوساط السياسية إلى التساؤل عما إذا كانت زيارة إيرولت تحمل في طياتها بُعداً آخر يتعلق بتحريك ملف النفط والغاز مع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين العماد ميشال عون ممثلاً بوزير الطاقة السابق جبران باسيل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول هذا الملف، لا سيما وأن ثمة اقتناعاً بأن الاتفاق الذي حصل يعكس توافقاً أكبر تمّ في هذا الملف، من ضمن توافقات أشمل، على مستوى المنطقة بين الأميركيين والروس حول النفط والغاز على ساحل المتوسط الشرقي، ولا سيما في ما يتعلق بلبنان وإسرائيل وقبرص وسوريا. فهذا الملف يُشكّل عاملاً أساسياً في رسم معالم المرحلة المقبلة لبنانياً، وهو جزء رئيسي من ضمن التسويات التي على أساسها ستتحدّد حصص اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين وحساباتهم. فعلى الرغم من الإقرار بالدور الأميركي في هذا الملف على المستوى اللبناني، فإن تلك الأوساط تشير إلى رهانات فرنسية بدور بارز لشركاتها قد حضرت في تسويق المرشح سليمان فرنجية وتبنّيه من قبل رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، رغم الاقتناع السائد بأن ملفاً كملف النفط يحتاج إلى اتفاق شامل بين كل المكونات السياسية ولا يمكن استبعاد أي فريق نظراً إلى التركيبة الطائفية في البلاد، ما يجعل اللعبة تدور في إطار حجم الحصص ليس إلا !
وإزاء هذا الواقع، تُطرح التساؤلات حيال «الاندفاعة العونية» بالمراهنة على جلسة الثامن من آب التي حددها بري لانتخاب رئيس الجمهورية والتي تأتي بعد «ثلاثية الحوار» المرتقبة في أوائل آب للبحث في طرح رئيس المجلس مسألة السلة المتكاملة للخروج من الأزمة السياسية والدستورية، والتي تشمل الاتفاق على رئاستي الجمهورية والحكومة والتركيبة الحكومية والتعيينات وقانون الانتخاب. وهي اندفاعة تذهب ببعض المراقبين إلى وصفها بـ «المغامرة العونية» التي يعمد معها «التيار الوطني الحر» إلى الظهور بأنه يلعب ورقتها حتى النهاية، مهدداً بقلب الطاولة، مستفيداً من اندفاعة مماثلة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط اللذين يدفعان باتجاه الذهاب إلى تسوية لانتخاب رئيس خوفاً من الدخول في المجهول الذي قد يُطيح بـ«اتفاق الطائف». ولا تخفي أوساط 8 آذار ولا سيما تلك اللصيقة بـ«تفاهم عون – حزب الله» الإعراب عن قلقها غير الملتبس من مخاطر هذه المغامرة العونية وتداعياتها، وذلك في ضوء تجارب سابقة، حيث لا مكان للحلول الوسط عند «جنرال الرابية».
وتأتي هذه الاندفاعة في وقت تؤكد أوساط مطلعة على تكثيف قنوات الاتصال والتفاوض بين «التيارالوطني الحر» و«تيار المستقبل» سواء في بيروت أو باريس من أجل تبيان مدى إمكانية التوافق في ما خص الاستحقاق الرئاسي ووصول العماد عون إلى قصر بعبدا.
وفيما تشير المعلومات إلى نقاش داخلي ضمن «المستقبل» حول إيجابيات وسلبيات خيار عون، ووجود تيارين، أحدهما مؤيد لهذا الخيار من زاوية الحد من الانهيار الحاصل في المؤسسات وآخر معارض له من زاوية أنه يُشكّل «انتحاراً سياسياً»، تتحدث الأوساط المطلعة أن المفاوضات الجارية لم تصل إلى إحداث اختراقات فعلية.
غير أن الحراك الراهن لا يشي، في رأي المتابعين، بقرب حدوث انفراجات على مستوى أزمة الفراغ الرئاسي، رغم ما يُشاع في الأوساط العونية من مناخات إيجابية، نظراً إلى تشابك هذا الملف مع ما يجري في المنطقة، واستعار المواجهة الراهنة إقليمياً بين المملكة العربية السعودية وإيران كفريقين مؤثرين على الساحة الداخلية، وعدم استعجال أي طرف في حسم هذا الملف، ما دام الصراع على أشدّه على مختلف ساحات المواجهة من سوريا إلى العراق إلى اليمن، ولا تبدو الأمور متجهة إلى التهدئة في المدى المنظور، على أقله في الوقت الضائع، بانتظار أن تنجلي معه صورة الرئيس الآتي إلى «البيت الأبيض» وبدء عهد أميركي جديد.