Site icon IMLebanon

مغامرة الشارع أمام تحدي «الخروج الآمن»

هدوء ما قبل العاصفة في الرابية

مغامرة الشارع أمام تحدي «الخروج الآمن»

لعل الصمت الاختياري للعماد ميشال عون هو أحد أهم أسلحته المستحدثة في معركته الرئاسية. صمت يسمح له بتخفيض نسبة الأخطاء في منطقة الجزاء السياسية، والاحتفاظ بزمام المبادرة، سواء في السياسة أو في الشارع.

لا يعني ذلك أن «الجنرال» يكتفي بالانتظار والمراقبة بالمناظير، بل هو يحضّر – بهدوء ما قبل العاصفة – لواحد من أهم التحركات الشعبية في تاريخ «التيار الوطني الحر»، إذا لم تحصل الانعطافة الحريرية نحوه في ربع الساعة الأخير.

يتحرك «الجنرال» على خطين، وفق سرعة واحدة تقريبا: سياسيا، يحرص على إعطاء فرصة التفاهم مع الرئيس سعد الحريري كل الحظوظ الممكنة، محاولا أن ينسج من خيوط الأمل الضئيل «مستقبلا» سياسيا جديدا، يمتزج فيه اللونان البرتقالي والأزرق.

شعبيا، يشرف عون في الوقت ذاته على كل التحضيرات للانتفاضة البرتقالية المرتقبة التي ستنقل المواجهة الداخلية من طور الى آخر، ما لم تتم الاستجابة لمطالب «التيار» بالحسنى. وهنا، يطيب للمتحمسين من أنصار «الجنرال» الكلام حول تغيير جذري سيحصل في قواعد اللعبة، سلوكا وخطابا، مع النزول الى الشارع، ملمحين الى أن وجهاً آخر للتيار سيظهر وسيفاجئ الكثيرين ممن اعتادوا على نمط معين في ردود فعله.

لا يعني ذلك بالضرورة أن عون سيكشف كل أوراقه أو معظمها بعد 28 أيلول مباشرة، بل هو قد يكتفي في البداية بجرعات مدروسة أو بأشكال رمزية من الاعتراض الميداني لتأكيد جدية الإنذار الذي وجهه ولاختبار نيات خصومه، مع إبقاء حيز للتفاوض السياسي. أما الانتقال الى المرحلة الثانية والمفصلية من المواجهة فسيتم في 13 تشرين الاول المقبل الذي سيشكل نقطة التحول الاستراتيجية، لناحية القطيعة مع ما قبله والتأسيس لما بعده.

هذه المرة، توحي الرابية بأنها هي التي تتعرض الى «حرب إلغاء»، ما يمنحها وفق تقديرها لطبيعة الخطر المحدق حق الدفاع عن الوجود بكل الوسائل المشروعة، بمعزل عن موازين القوى، وهي التي تعتبر أنه عندما يتعلق الأمر بـ «البقاء الميثاقي»، تتهاوى الحسابات التقليدية، لا سيما أن «الجنرال» معروف بحماسته للخيارات على حساب الرهانات.

لكن، يبقى خيار الشارع – إن اضطر عون الى اعتماده – محفوفا بتحديات عدة، من بينها:

– في مواجهة من بالضبط سيُخاض التحرك الاحتجاجي، وسط غياب رئيس الجمهورية وشلل مجلس النواب وتعثر الحكومة وتعليق طاولة الحوار، أي انه لا «سلطة» ما يمكن التصويب عليها، حتى يتم الدفع في اتجاه إسقاطها أو محاسبتها أو الضغط عليها أو محاورتها، وبالتالي فإن صرخة التيار على الأرجح ستكون في البرية الواسعة، بحيث إنها ستبدو موجهة ضد الجميع، وضد لا أحد، في الوقت ذاته.

– ان النزول الى الشارع هو الجزء الأسهل من المغامرة البرتقالية، التي سينتظرها على الطريق اختباران صعبان، الأول، يتمثل في مدى القدرة على الاستمرار طويلا في التحرك، لا سيما إذا تجاهله الآخرون وقرروا أن يديروا الظهر له، الأمر الذي سيضع التيار في خضم معركة عض أصابع موجعة. أما الاختبار الثاني، فيكمن في وضع «استراتيجية خروج» الى جانب «استراتيجية النزول»، لأنه من المهم أن يعرف التيار مسبقا متى وكيف سيخرج من الشارع، لئلا يتحول البقاء غير المقنن فيه الى استنزاف له على المديين المتوسط والطويل.

– ان الشعارات التي ستُستخدم في الاستقطاب يجب أن تكون مدروسة جيدا، حتى يتمكن التحرك المفترض من إيجاد أوسع تعاطف معه، من كل الطوئف والمذاهب، لان التركيز حصرا على مطالب أو طروحات «مسيحية المنشأ» سيسهل عزل الانتفاضة البرتقالية واستهلاك طاقتها سريعا. وعليه، فإن هناك في التيار من يعتبر أن المطلوب عدم الاكتفاء بخوض المعركة على قاعدة أولوية انتخاب عون رئيسا فقط، وإنما يجب طرح برنامج وطني يتضمن الى جانب الرئاسة قانون الانتخاب والإصلاح ومكافحة الفساد وغيرها من القضايا الجاذبة والمشتركة التي من شأنها استمالة أوسع شرائح ممكنة، الى جانب الحركة الاعتراضية، وإن لم تشارك مباشرة في مجرياتها على الأرض.