كان وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، يبحث عن خبطة اجتماعية، يسترد بها للحكم ثقة الناس.
وفي البلاد ثورة نائمة وثروة معطّلة.
والمواطنون فقدوا ثقتهم بالسلطة، ويتطلعون الى دولة، تنقذهم من الفساد.
لا شيء في البلاد، يحيي ميّت الأمل عندهم، أو ينعش نفوسهم الذابلة.
والحكومة باقية لأن لا رئيس جمهورية يتسلّم استقالتها.
ولا رئيس للبلاد يكلّف من يجري استشارات، بغية تكليف من ترسو عليه الأكثرية، لتشكيل حكومة جديدة.
إلاّ أن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، استنبط حلاً نصحه به الأقرباء والأصدقاء أو تبنّاه شخصياً، يقضي بحلّ المشكلة الاستشفائية في البلاد، واقترح التغطية الاستشفائية للمسنين تصل الى نسبة المائة في المائة.
حمل الوزير أبو فاعور المشروع، وعرضه على رئيس الحكومة تمام سلام، ووصفه ب المغامرة.
والناس فرحت ب المشروع لأنها تكاد تفقد الأمل بالحياة، اذا ما أصابها مرض عضال.
والوزير كان متواضعاً، عندما اعترف بأن فكرته لا تستنبط العجائب، لأنها بحاجة الى ١٧ مليار ليرة، لتأمين الطبابة لمن تجاوز الرابعة والستين عاماً، وذلك برفع التغطية من ٦٥ الى مائة في المائة.
ولم ينس الوزير الذي ينتمي الى الحزب التقدمي الاشتراكي العقبات التي تنتظره، لكنه وضع آماله وثقته عند وزير المال علي حسن خليل.
***
طبعاً، فإن المشروع يعتبر من أهمّ ما يقترحه الوزير أبو فاعور، الذي يقود حملة اصلاحية في وزارته لهذه الغاية، لكنه يدرك ان أمامه معركة لا هوادة فيها، لمروره في الحكومة شبه المفلسة، وفي غيرها من المؤسسات الدستورية.
في حقبة السبعينات، خاض وزير الصحة السابق الدكتور اميل البيطار، معركة لا هوادة فيها لتخفيض سعر الدواء.
يومئذ، وقف في وجهه رئيس الحكومة ومعظم الوزراء، وملوك تروستات الأدوية.
ولم يجد معه إلاّ رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه.
وصودف ان تجار الأدوية، دعوا الى الاقفال العام في بيروت عشيّة وصول عاهل عربي كبير، الأمر الذي اضطر رئيس الجمهورية الى وقف المشروع، لفتح أبواب العاصمة اللبنانية في وجه الضيف الكبير الآتي الى لبنان.
وهكذا استقال الوزير اميل البيطار، واستشهد بمرض أصابه، لم تنفع العناية الربانية في انقاذه.
والأمل كبير بأن ينجح الوزير أبو فاعور في معركته، لأن كلفة الاستشفاء باتت كبيرة مما جعل الضمان الاجتماعي ومؤسسات الضمان عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، أو تعيد النظر بعلاقاتها مع المواطنين.
***
هل يخوض الوزير أبو فاعور، معركة سهلة في وقت ضرب فيه الفساد معظم المؤسسات.
لا أحد يدري بما هو حاصل قريباً.
والناس تنام على خبر، وتستيقظ على خبر آخر، أسوأ من الأول.
والسلطة في البلاد، يجتاحها الفساد، ويضربها، في كل قضاء فضيحة أكبر من الأولى، وكأن الوطن أصبح وطن الفضائح والموبقات.
من هنا الخوف على اقتراح وزير الصحة، لأن صحة المواطن نفسها، مريضة، ولأن خزينة السلطة مصابة بالعجز حيناً، وبالافلاس أحياناً.
واللبنانيون، لا يملكون إلاّ الوقوف الى جانب الاقتراح لأنه وحده الطريق الى انعاش الانسان الواقف بين الموت والحياة.