تراجع الإنفاق الإعلاني الملحوظ لمصلحة «الدفع المباشر» شكّل ضربةً لقطاعاتٍ تنتظر الموسم الانتخابي. بحسب التقديرات، فإن ميزانيات كل الحملات الانتخابية لا تتجاوز 6 ملايين دولار فقط مقارنة مع 30 مليون دولار لعدد محدود من الأحزاب في الانتخابات السابقة
مَن يجول على طرقات لبنان لا بد أن يلاحظ ضعف الإعلان الانتخابي مقارنة بالاستحقاقات السابقة. جدران المباني والجسور وأعمدة الإنارة لم تجتحها صور المرشحين كما في انتخابات 2018. في تلك الفترة، بلغت قيمة ميزانيات الحملات الانتخابية لبعض الأحزاب السياسية نحو 30 مليون دولار، بحسب ما يشير رئيس نقابة الإعلان جورج جبور. فيما لا تتجاوز قيمة الميزانيات لهذا الموسم الـ6 ملايين دولار، من دون احتساب شبه الغياب التام للمهرجانات الانتخابية والميزانية الإعلامية. يأتي كل ذلك رغم تراجع أسعار الإعلانات في مختلف وسائل الإعلان والإعلام إلى أكثر من النصف.
وعلى بعد بضعة أسابيع من انتخابات منتصف أيار المقبل، وحدهم حزبا الكتائب والقوات والنائب فؤاد مخزومي خرقوا مشهد الإعلانات الانتخابية بحملاتٍ يصنّفها عاملون في القطاع بين الكبيرة والمتوسّطة. فلا حملة انتخابية للتيار الوطني الحر، وإعلانات «الثنائي» في خانة الحدّ الأدنى، وتيار المستقبل خارج الساحة، فيما حملة الحزب التقدمي الاشتراكي خجولة جداً. كل هؤلاء حصروا حملاتهم في مناطق محدّدة ضمن دوائرهم الانتخابية، وهو ما لم يكن يحصل سابقاً. أما لوائح ومرشحو قوى الاعتراض، فاعتمدوا بشكلٍ أساسي على حملاتٍ افتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي نظراً لكلفتها الأقل من الإعلان التقليدي.
وتأتي الانتخابات وسط أوضاع اقتصادية سيئة انعكست سلباً على قطاع الإعلانات بشكل عام. حجم الإعلانات السنوية، بحسب جبور، كان يبلغ 200 مليون دولار عام 2018 تشمل الإعلانات التقليدية والـ«أونلاين»، وتراجع في السنة التالية إلى 130 مليون دولار وبلغ أقلّ من 10 ملايين دولار في العامين 2020 و2021.
كما أن هناك جملة عوامل زادت من الانعكاس السلبي، يفصّلها جبور على النحو الآتي: «الحملات الإعلانية هذه المرة بدأت متأخرّة عن عادتها بسبب شعورٍ عام بأن الاستحقاق الانتخابي غير محسوم. كما أن تركيبة القانون الانتخابي بحدّ ذاته تحسم عدداً كبيراً من المقاعد النيابية سلفاً لصالح أحزاب سياسية معينة، ما يدفعها لإهمال الحملات الإعلانية في غياب المنافسة. فضلاً عن غياب الحماسة الشعبية للانتخابات وهو ما تدركه قوى السلطة». والعامل الأهم أن خيارات المرشحين باتت تمنح أولوية لـ«الدفع المباشر» على الإنفاق الإعلاني للاستفادة من مفاعيل الأزمة. إذ يتردّد أن شراء الأصوات بواسطة الدفع النقدي، أو بواسطة توزيع قسائم المواد الغذائية والمحروقات أو حتى تقديم خدمات أخرى، ستكون العمود الفقري للحملات الانتخابية، علماً بأن كل هذه الأشكال من الرشوى الانتخابية، هي من الممارسات شبه الروتينية والتاريخية في الانتخابات النيابية في لبنان.
هذا الواقع كان مخالفاً لتوقعات شركات الإعلانات التي وضعت في حساباتها حملات إعلانية بدأتها منصّات انتخابية مثل «نحو الوطن» و«كلنا إرادة» في الخريف الماضي، «لكنها اختفت اليوم. هاتان المنصتان حجزتا عدداً من اللوحات الإعلانية ثم ألغتا عقودهما قبل 3 أو 4 أيامٍ من تاريخ الحجز، مشكلتين أزمة لشركات عدّة» بحسب جبور.
استغناء الأفرقاء كافة عن المهرجانات الانتخابية، مقابل الاكتفاء بحفل إطلاق اللائحة، ترك أثره على العاملين في تأجير الكراسي البلاستيكية. صاحب أحد المحال المعروفة في المجال يقول: «الحركة معدومة عكس انتخابات 2018. كافة طلبات المرشحين تأتي على شكل اتفاقٍ دعائي، إذ يطلبون منّا تقديم الكراسي مقابل لصق اسمنا التجاري عليها بدلاً من دفع المال، وهو ما نرفضه». وينسحب الأمر على العاملين في مجال الصوتيات وتركيب الخيم والشوادر.
وكان مستوردو المواد الأولية اللازمة لطباعة إعلانات اللوحات الكبيرة وملصقات الجدران وشعارات الأحزاب على القمصان والقبعات، وغيرها من مستلزمات الحملات الانتخابية، يستعدّون للموسم الانتخابي قبل أشهرٍ وسط صعوبة في الحصول على المواد وتوقعات بارتفاع الطلب. إلا أنه بحسب أحد المستوردين الـ6 في هذا المجال، فقد تراجع عدد المستوردين إلى 3 فقط، وتراجع الطلب بنحو 52% مقارنة مع ما كان عليه في انتخابات 2018، علماً بأن حجم مبيعات كل من مستوردي هذه اللوازم يلامس المليون دولار في الأشهر الثلاثة السابقة لموعد الانتخابات. كما أن جزءاً كبيراً من البضائع كسد في المستودعات.
جبور: «نحو الوطن» و «كلنا إرادة» حجزتا لوحات إعلانية ثم ألغتا العقود
الحملات الانتخابية لم تكن تقتصر على ذلك، إذ فرض التطور التكنولوجي من جهة، والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى، خيار التوجه نحو الحملات الإعلانية الافتراضية عبر صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي، والإعلانات المدفوعة على محرّك البحث «غوغل»، ما زاد فرص العاملين في التصوير والمونتاج والغرافيكس والمؤثرين وواضعي استراتيجيات الحملات الافتراضية وصانعي المحتوى.
ويؤكد صاحب إحدى شركات الإعلان أن «التفاعل مع الجمهور عبر صفحات التواصل الاجتماعي، عامل جاذب ومهم، لأنه يساعد المرشحين على إيصال أفكارهم، بخاصة العاجزين منهم عن دفع البدلات المرتفعة للإطلالات التلفزيونية، لكنه لا يعفيهم من بعض الإعلانات التقليدية». لجهة التكلفة المادية «يبقى هذا النوع من الإعلان هو الأرخص. ففي الحملات التقليدية قد يحتاج المرشّح إلى مليون دولار، بينما تتراوح ميزانية اعتماد الإعلان الافتراضي على ما بين 5 آلاف دولار و10 آلاف دولار تتضمن تدريب المرشح على صياغة خطابه وبرنامجه الانتخابي وكتابة منشوراته وطباعة ما يلزم من دون التدخل في عمل الماكينة الانتخابية والإطلالات التلفزيونية». أما آلية التسعير فجزء منها بالدولار لكل ما هو متعلّق بالإعلانات المدفوعة على «غوغل» أو «فايسبوك»، وأخرى بالليرة بدل أتعاب فريق العمل من مصوّرين واستشاريين وغيرهم.