IMLebanon

نصيحة أهمّ  من مبادرة

عكست المواقف التي أطلقها وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرولت، سواء بعد لقائه رئيسي مجلس النواب والحكومة والبطريرك الماروني مار بشارة الراعي أو التي عبّر عنها للقيادات اللبنانية التي التقاها في قصر الصنوبر الذي شهد إعلان استقلال لبنان قبل نحو سبعين سنة ونيّف المزيد من إصرار فرنسا على وحدة وأمن واستقرار لبنان، وإصرارها في الوقت نفسه على أن يتخلّى اللبنانيون، جميع اللبنانيين، بكل مكوناتهم الطائفية والمذهبية عن الرهان على الخارج، وإملاءاته، وربط مصير بلدهم بمصالحه ومطامعه ومطامحه، ووجوب الاتفاق في ما بينهم على حل لمشاكلهم السياسية وغير السياسية إذا صحّ التعبير عبر الحوار والنقاش البنّاء، وتبادل وجهات النظر بانفتاح، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة والشخصية أو على مصالح الخارج، وتالياً عدم الاعتماد على أي دعم خارجي، من أية جهة أتى.

أول انطباع عن زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية هو أنه لا يحمل في جيبه أية مبادرة جدّية لإنهاء النزاع القائم بين اللبنانيين حول الاستحقاق الرئاسي وإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية وانتظامها قبل أن يستعصي هذا الأمر عليهم، ويفقد بلدهم مجرّد وجوده كما يتوجس الرأي العام الدولي، وكل أصدقائه ومحبيه في العالم، ولا يحمل أيضاً عصا سحرية تبتدع الحلول السياسية لكل هذه المشاكل، غير أن هذا الانطباع ليس دقيقاً ولا يعكس واقع الزيارة الفرنسية وطروحات رئيس دبلوماسيتها، ولا يعبّر بشكل دقيق أيضاً عن مغزى الكلام الذي أفضى به الوزير إيرولت سواء في تصريحاته العلنية أو في لقاءاته المسؤولين اللبنانيين والقيادات السياسية والحزبية، إذ يكفي أن يشدّد الوزير الفرنسي على لبننة الحلول السياسية للأزمات العالقة وفي مقدمها انتخاب رئيس جمهورية وإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية كمؤسستي مجلس النواب والحكومة ليشكل بذلك مبادرة بل المبادرة الصادقة والمخلصة التي من دون الأخذ بها، فإن هذا البلد معرّض للإنفراط والسقوط في الهاوية، وبطبيعة الحال، فإن لا رئيس الدبلوماسية الفرنسية ولا دولته يمتلكان قوة على الأطراف اللبنانية التي يدّعي كل منها صداقتها لفرنسا واحترامها لمواقفها وحرصها على لبنان، وعلى وحدته وأمنه واستقراره السياسي والمؤسساتي يجعله قادراً على فرض مبادرة بهذا الحجم وتلك الأهمية، لكن كلامه من الأهمية ما يتوجّب على الأطراف اللبنانية كلها الأخذ به كمبادرة من دولة صديقة، وكتحذير في الوقت نفسه من استمرار ربط لبنان بملفات الخارج أو الاستمرار في ارتباطهم بهذا الخارج بعدما أصبح من الثابت أن هذا الخارج لا يهمّه مصلحة لبنان وشعبه، بقدر ما يستخدم تناقضاتهم لتحقيق مآربه وأهدافه التي لا تصبّ في أي حال من الأحوال في المصلحة اللبنانية العليا التي يدّعي كل طرف من أطراف الداخل حرصه عليها، وعدم استعداده للتفريط بها.

ليس المهم أن نتلهى بجدل بيزنطي حول أهداف زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية للتغطية على الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها بعض الأطراف بحق بلدهم، بل الأهم من هذا وذاك أن يتحرروا من الارتباط بالخارج وتنفيذ أهدافه ومصالحه على حساب مصلحة بلدهم، بل بات يتوجّب عليهم، وهذا هو مضمون المبادرة الفرنسية، التحرّر من ارتباطاتهم إنقاذاً لبلدهم الذي يتهاوي كلما مرّ يوم على الشعور الرئاسي ويقترب من السقوط في عمق الهاوية السحيقة والتي لا قرار لها. فهل فهم هؤلاء رسالة فرنسا التي حملها إليهم رئيس دبلوماسيتها؟ هذا هو السؤال.