المشهد بالغ التعبير، لا فقط عما انتهى اليه الغزو الأميركي لأفغانستان بل أيضاً عما سينتهي اليه التدخل الجوي ضد داعش في العراق وسوريا: احتفال شبه سري في مقر قوات ايساف في كابول خوفاً من هجوم طالبان على الموقع المحصن ساعة اعلان حلف الناتو انهاء مهامه القتالية. شيء من تكرار الشعار القديم للسناتور إيكن: أعلن النصر وانسحب. وشيء من تطمين الأفغان الخائفين بالابقاء على ١٣ ألف جندي للتدريب والمساعدة.
أي نصر وأي تطمين؟ فما بدأ قبل ١٣ سنة أنفقت خلالها أميركا ٦٤٠ مليار دولار وأعلنت ضرب القاعدة وإسقاط حكم طالبان، انتهى بأن القاعدة صارت قواعد أشهرها أنصار الشريعة في اليمن وجبهة النصرة في سوريا، وان طالبان يقاتل لفرض سلطته من جديد، وان داعش خرج من القاعدة ليعلن دولة الخلافة. واذا كانت حرب العراق عام ٢٠٠٣ هي حرب الرئيس جورج بوش الابن التي عارضها السناتور باراك اوباما ثم أنهاها كرئيس عام ٢٠١١ وسحب القوات، فإن حرب افغانستان كانت حرب بوش ثم اوباما. واذا كان انهيار ٤ فرق من الجيش العراقي امام داعش كشف فضيحة الجنود الفضائيين الوهميين في سجلات الأرقام الفلكية للجيش ومعها سوء بناء جيش حسب الولاء الشخصي والمذهبي لنوري المالكي، فإن طالبان تبدو مخيفة لقوات مسلحة افغانية دربها الناتو يزيد عديدها على ٣٥٠ ألف شخص، على افتراض انها خالية من فضائيين.
ذلك ان ما انتهى ليس الحرب في افغانستان بل المهام القتالية للناتو. وما تغير في افغانستان هو أمور على سطح المجتمع، لا في العمق. فالسلطة ضعيفة ومنقسمة ومنخورة بالفساد. وطالبان استعادت قوتها وقدرتها القتالية. والسؤال المطروح في أميركا هو عما اذا كانت حصيلة ١٣ سنة في افغانستان تستحق المغامرة بالمال والدم. ومهما يكن الجواب، فإن السؤال في المنطقة ليس كذلك.
إذ كشفت التجربة في افغانستان والعراق ان التدخل العسكري الأميركي يزيد الأمور سوءاً في النهاية، ولو ربح معركة في البداية. وما تكشفه هشاشة أوضاعنا العربية هو الاندفاع، بالاضطرار أو بالخيار، في دعوة أميركا الى التدخل العسكري.
والمشكلة في التدخل ضد داعش ليست الاكتفاء بالغارات الجوية من دون قوات تقاتل على الأرض. فلن تتغير النتائج ولو تدخلت أميركا جواً وبراً كما فعلت في افغانستان. المشكلة ان التدخل العسكري الأميركي، ولو نجح في انهاء داعش مع انه فاشل، يقود الى ردود فعل تفتح الباب لظهور تنظيم أشد تطرفاً من داعش.