ليس في مسيرة دونالد ترامب وشخصيته ما يؤهله لأن يكون رئيس بلدية. لكن الأميركيين انتخبوه رئيسا للبلد الأقوى والأغنى في العالم والأول في الاقتصاد والتكنولوجيا والجامعات. بعضهم لأن العولمة أفقدته وظيفته، وبعضهم الآخر لأنه غاضب من سياسات الرئيس باراك أوباما ورافض لوصول هيلاري كلينتون الى البيت الأبيض. ومعظمهم خائف من الارهاب وتدفق المهاجرين الملونين ومتعصّب للبيض بنوع من العنصرية.
وليس في الأحاديث عن معلومات لدى المخابرات الروسية حول فضائح مالية وشخصية لترامب ما يهزّ الرئيس المنتخب. فهو في ذاته فضيحة تمشي على قدمين. وكل الفضائح المالية والجنسية والضريبية التي رماها في وجهه خصومه الديمقراطيون لم تبدّل في التوجهات لانتخابه. حتى الأكاذيب التي طبعت حملته الانتخابية، فان انكشافها السريع لم يؤثر عليه. ولا انطبق عليه قانون المؤرخ أريك ألترمان في كتابه عندما يكذب الرؤساء، وهو ان الأكاذيب الرئاسية تتحول حتما وحوشا تخنق صانعيها. وأحدث كذبة في مؤتمره الصحافي أمس نفيه لوجود معلومات سرية عنه لدى المخابرات الروسية. إذ كيف يعرف انه لا وجود لمعلومات عنه لدى مخابرات محترفة تجمع وتوثق معلومات عن كل الناس؟
ولم يعد ترامب ينكر ان روسيا تمارس قرصنة المعلومات الأميركية كما تفعل الصين وكوريا الشمالية وسواها. ولا كان أوباما يمارس سوى واجبه كرئيس بفرض عقوبات على موسكو بسبب القرصنة. لكن الظاهر ان سخف الديمقراطيين أكبر من حماقة الجمهوريين. فالادارة الديمقراطية تتصرّف كأن أميركا جمهورية موز تستطيع روسيا التأثير في انتخاباتها، وان كان من الطبيعي أن تسعى موسكو لتسخيف الديمقراطية الأميركية وهزّ مكانة رؤسائها. والادارة، في الهرب من مواجهة الأسباب الحقيقية التي أدت الى فشل هيلاري كلينتون، تردد يوميا ان موسكو وراء اسقاطها بقرار من الرئيس فلاديمير بوتين.
عال. لكن ما تسرّب من القرصنة هو وثائق من المركز الانتخابي للحزب الديمقراطي. وما في هذه الوثائق، لا في أي كلام روسي، هو ما أحدث تبدّلا في التوجهات، بعد انكشاف الفارق بين خطاب حملة كلينتون وبين الأفكار الحقيقية والألعاب في الحملة.
والانطباع السائد عشيّة التسليم والتسلّم هو سعي الادارة والمخابرات لتحذير ترامب من الاندفاع نحو بوتين القادر على التلاعب به. لكن ما فعله أوباما على مدى سنوات، وخصوصا في حرب سوريا، هو الرهان على موقف بوتين وشراكته وتركه يتلاعب به وبوزير الخارجية جون كيري.
والمفارقة ان التحسّب في معظم الدول هو لصفقة كبرى بين أميركا وروسيا. والفارق كبير بين بوتين المغامر وصاحب الخبرة الاستراتيجية والتاكتيكية وبين ترامب الذي لا يعرف من العالم سوى المقاولة والصفقات المالية.