IMLebanon

خائفون من عون المسيحي المشرقي الميثاقي

على إيقاع المعارك ما بين الموصل وحلب، ينتظر اللبنانيون بطوائفهم ونحلهم ومللهم، حسم الموقف من انتخاب العماد ميشال عون من قبل عدد من الأفرقاء الكبار سواءً كان الرئيس نبيه برّي أو الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. لا شكّ بأنّ المعارك الحاسمة سيكون لها الدور الفعّال في تقرير مصير المنطقة بخريطتها الكاملة، فالأحداث بثقلها وعمقها وشدّتها واتجاهها نحو الحسم في الموصل من قبل التحالف الدوليّ بالتحالف مع الجيش العراقيّ، وهروب مسلحي تنظيم «داعش» نحو مناطق دير الزور والحسكة، وتكديسهم في تلك البقعة كما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، سيكون له الأثر الكبير في تقرير المصير بالرؤى والتداعيات أو التجليّات.

بهذا المعنى، العيون شاخصة إلى ذلك الحدث الكبير، والذي يقرّر مصير العراق بمكوناته وإرساء تفاهمات كمقدّمة لإنضاج حكم وحكومة جديدة هناك، تنطلق من مبدأ متوازن جوهره الشراكة بين جميع المكوّنات والأحزاب والفئات. السؤال المطروح بإلحاح كبير، هل سيعود العراق بعد عملية التطهير الفعاّلة والجذرية واحدًا، أو أن الاتجاهات مأخوذة إلى ترسيم خريطة جديدة، بتوزيع طائفيّ وكيانيّ، يحدّد ماهيّة المنطقة بعمقها وجوهرها؟ في المقابل يسعى الباحثون الاستراتيجيون لمعرفة المعنى والمبنى من تكديس المسلحين وتحشيدهم في شمال شرق سوريا، وينطلق الباحثون من قلب المشهد والفرصة بتعبير واضح بافتراضات متعددة، منها هل جبهة الممانعة على استعداد للانقضاض على مناطق دير الزور والرقّة والحسكة، وفتح طريق واضحة باتجاه الوسط السوريّ بوصل هذه المنطقة بحلب وحماه وحمص وصولاً إلى الساحل السوريّ واستطرادًا إلى شمال لبنان وبقاعه الشماليّ، أو أنّها ستشهد معارك حامية، يدخل فيها التحالف الدوليّ في وجه جبهة الممانعة حتى تبقى هذه البقعة بالمسلحين الهاربين من الموصل سدًّا منيعًا بوجه طريق مفتوح يربط إيران بسهولة بلبنان مرورًا بحمص والساحل السوريّ كما يزعم بعضهم؟

المشهد الواضح أن الحاجة من اقتلاع تنظيم «داعش» من الموصل استثماريّة ترتبط بخصوصيّة دولية خبيثة، لمنع وجود كوريدور واصل بين إيران ولبنان، وبرأي بعض الخبراء، إنّ تصليب المتاريس ضمن هذا الكوريدور سيضعف بحدود واضحة الاتفاق الدوليّ-الإيرانيّ، ويضعف على وجه التحديد التحالف الروسيّ-الإيرانيّ في المعارك السوريّة، ويطوّق بالتالي حزب الله وهو القوّة الإقليمية المحاربة في سوريا إلى جانب الجيش السوريّ حتى النهاية. وتفترض بعض الأوساط المراقبة، وفقًا لمعلومات شبه واضحة، بأنّ المسعى والمعنى بهذا الاتجاه سحب الأوراق الأساسيّة بالتأثير الكبير على مصير الساحات من جبهة الممانعة، فيتمّ التأثير على المصير بضغط أميركيّ مؤازر لإسرائيل وداعم لخطتها التفكيكيّة والتفتيتية بناء على وثائق تاريخيّة كبرى تمّ تداولها منذ الخمسينيات من القرن المنصرم وتبنّاها بعد ذلك وزير الخارجيّة الأسبق هنري كيسنجر. وعلى هذا الأساس يخطئ من يظنّ في المديين القريب والبعيد، بأنّ تلك الرؤية قد بطلت. قوّة الولايات المتحدة الأميركية مع البريطانيين مصبوبة ومنسكبة في تلك الحرب لتجسيد هذا المحتوى الذي لطالما تصدر مؤلّفات عدة نظّرت بنفس أكاديميّ وسعي استخباراتي للبلوغ نحو الفلسفة التفكيكيّة.

وبقراءة متأنيّة تقول الاوساط ان الحرب الدوليّة والإقليميّة-العربيّة في سوريا وعليها والتي قد تستحيل بجوانب عديدة منها عالمية قائمة ين مفهومين:

1- مفهوم تقسيميّ، تشترك فيه أميركا وبريطانيا وفرنسا، وتؤازرها السعودية وقطر وإسرائيل. تقود فيها تلك الدول المذكورة حربًا استثماريّة وليست حربًا جذريّة في المطلق، تحشر المسلحين في بقعة محددة (دير الزور والرقّة والحسكة) بإطار تفاعليّ ونمط تراكميّ نافرين محارِبين ومواجهين للتحالف الآخر، وساعيين في الوقت عينه لتحجيمه وتطويقه، فيما الأتراك هنا يقفون بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في وسط ضبابيّ ورماديّ يحتسبون فيه الرؤى المنغمسة في واقع الصراع والاتجاه إلى حركة توزيع للمكونات بصورة قسرية تمهيدًا لتسوية جديدة في المنطقة بدءًا من سوريا والعراق وفي سائر بلدان برّ الشّام، في سياق تحويليّ وتغييريّ يقود إلى ما استنتجه الدكتور شارل مالك رحمه الله في حديث له مع صديق سنة 1969 في الجامعة الأميركيّة معتبرًا بأنّه ستبقى هنا بعض الدويلات في مدى المشرق العربيّ.

2- مفهوم توحيديّ ولامركزيّ في آن: تشترك فيه روسيا وإيران والصين وحزب الله، ساع في حربه الجذرية على الإرهاب، وبفعل اقتلاعه من شروشه، إلى الاتجاه نحو تسوية تاريخيّة وتكوينيّة لهذا المدى الملتهب. ويبدو وبحسب المطلعين بأنّ جوهر التسوية المشار إليها تكوين أنظمة جديدة تولد من دساتير جديدة أو تعديل ما يجب تعديله في بعضها فتضمن مشاركة الجميع في نشوء الدولة وفي القرارات الصادرة عن مجالس الوزراء، مع تعزيز اللامركزيّة كما تمّ في لبنان بعد انتهاء الحرب على أرضه، وهي اللامركزية المستندة إلى دولة واحدة تضمن بقاء جميع المكونات بالحقوق والواجبات وبالمشاركة القادرة على أن تكون ميثاقيّة سواء في سوريا أو العراق على غرار ما يدعو إليه اللبنانيون.

وبرأي مصدر دبلوماسيّ رفيع المستوى، إن كمال الصورة باكتمال عناصرها لن يكون جاهزّا وواضحًا قبل القضاء على الإرهاب من جذوره والاعتراف بالرئيس السوريّ بشار الأسد وجزء منه قد تجسّد وتحقّق، ويعتقد المصدر بأنّ الأساس بقاء النظام، ولا يمكن القبول بأية تسوية حقيقيّة ومنطقيّة قبل نهاية العمليات الميدانيّة. عندئذ يتمّ الاتجاه نحو تسوية كبرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين واستطرادًا بين العرب وإسرائيل تنطلق من الحفاظ على الجولان والوصول للاعتراف بدولة فلسطين مجاورة لإسرائيل وتكون جزءًا من المشرق العربيّ.

الصراع بين المفهومين تكوينيّ وتأسيسيّ ومصيريّ وتاريخيّ وجذوريّ غير قابل على ما يبدو للنقاش والتأويل، تحفّزه حاجات متنوّعة ومصالح مختلفة، منها رسوخ روسيّا في المنطقة كقوّة دوليّة تسعى إلى ترتيب وضعها كدولة لها كلمتها الفاصلة وكراعية للحلول إلى جانب إيران التي غدت قوّة إقليمية تملك ورقة أساسيّة وجوهريّة وهي المعاهدة بينها وبين الدول 5+1. وفي الوقت عينه تسعى الولايات المتحدة الأميركية مع التحالف الدوليّ لتكون الدولة الأساسيّة الضاغطة والراعية. ومن تلك الحاجات والمصالح الجليّة تعزيز المشاركة وتثميرها في إمداد أنابيب النفط ضمن اتفاقات واضحة، ومن ثمّ المشاركة أيضًا في إعمار سوريا، لكون إعمارها سيكون مصدرًا كبيرًا للاستثمارات.

بعد هذا السرد التحليليّ الواسع، نعود إلى لبنان المنهوك والمهموم بمسألة الانتخابات الرئاسيّة. كثيرون في هذا السياق افترضوا ويفترضون أن المسألة سهلة المنال بمجرّد أن يقول الرئيس السابق سعد الحريري قوله الأخير. وفي حقيقة الأمر تجمع المصادر بأنّ كلمة السرّ، وكما يشاع، لن تعطى للحريري بل لبرّي هذا إذا وجدت. لقد زعم كثيرون بأن الأحداث في سوريا تبقى الناخب المؤثّر بقوّة في توجيه بوصلة الانتخابات الرئاسيّ وترميم اللحظة، وهذا الزعم دقيق، وتتجمع كما تتكدّس في جوفه مفردات تنتمي بدقة كبيرة إلى هذين المفهومين المذكورين والمتواجهين بل المتصارعين بشدّة باتجاه ترسيخ منظومة تكوينيّة للبنان جديدة. ويقول بعض العارفين بأنّ تلك المعركة بوجهيها ليست خالية من تلك الآفاق الاستراتيجيّة المتوكّئة على رهانات مسطّرة ومشفّرة يمارسها بوضوح تام الثنائيّ برّي-جنبلاط الخائفين والخاشيين من نتائج وصول عون إلى الرئاسة وحجمه اللبنانيّ.

مصدر مطّلع اعتبر بأنّ العماد ميشال عون يمثّل المفهوم التوحيديّ، لسببين واضحين:

– السبب الأوّل أنّه مسيحيّ لبنانيّ يناضل في سبيل ترسيخ العهد الميثاقيّ مع المسلمين في لبنان سنّة وشيعة ودروز. وفي هذا المعطى يحاول بعضهم جذب الأرض اللبنانيّة إلى فورة الدم وثورة النار بافتعال مشكلة مسيحيّة-شيعيّة افترض من راهن عليها بأن الاتفاق مع الرئيس سعد الحريري سيشعلها، وستؤول بدورها إلى حرب طائفيّة تستعمل فيها عناصر غريبة عن لبنان وهي عبوات ناسفة، بدفع النازحين السوريين والفلسطينيين إلى إشعال الفتن بتحريض يمارَس هنا وثمّة، متلازم وضاغط على الداخل اللبناني بالتماهي مع ما يحصل في الموصل وحلب وسوريا. وبحسب المطلعين، إن انتخاب عون بإمكانه أن يخفّف من اندفاع بعضهم نحو التوتير وتشذيب غلوائهم بأخذ لبنان إلى فتنة عبثية قاتلة.

-السبب الثاني أنّه مسيحي مشرقيّ يدرك بعمق ما يحصل في سوريا الجارة الأقرب إلى لبنان. وقد قرأ غير مرّة بأنّ الحرب على سوريا ليست هادفة فقط إلى إسقاط النظام، بل هادفة إلى إسقاط آخر معقل للمسيحيين في لبنان مع اقتناص الرئاسة والاتجاه بها إلى المكان الخطأ والمترابط مع المفهوم الأوّل الذي سردناه. إسقاط النظام في سوريا يؤول بدوره إلى إسقاط مفهوم الرئيس المسيحيّ القويّ في لبنان، والترابط بينهما وجوديّ واستراتيجيّ بامتياز.

من هنا إن الرهان على خرق وهتك ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطنيّ الحر، بات الشغل الشاغل لمعظم القوى المحاربة لوصول ميشال عون إلى السلطة. لقد حاولوا إحراج حزب الله على وجه التحديد بترشيح النائب سليمان فرنجيّة، وإيلامه باصطناع فتنة مارونيّة – مارونيّة داخل بيئة جبهة الممانعة، علّ وعسى يضعف حزب الله بهذا المنطق الفتنويّ فلم ينزلق الحزب. وبعدما فتح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الباب أمام تسوية تأتي بالعماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة والرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة توثّب المتضررون بوجه التسوية وبدأوا يراهنون على إيقاظ فتنة بين المسيحيين والشيعة، تحرج الحزب في سوريا فتضفعه وتخرجه، ليتسنّى لأصحاب المفهوم التقسيميّ الإجهاز على سوريا ولبنان والعراق، وهم أنفسهم يراهنون على فتنة شيعيّة شيعيّة تصبّ في الهدف عينه، ويتمّ كلّ ذلك حتى ينتصر المحور الأميركيّ-السعوديّ القطريّ، في سوريا والعراق، وينعكس الانتصار على لبنان بترسيخ وطيد للسنية السياسيّة من ضمن ترسيخ واضح للإسلام السياسيّ في العالم العربيّ.

محاربة العماد ميشال عون ومنعه من الوصول إلى الرئاسة تنطلق من تلك الحسابات والآفاق، سببها الجوهريّ أنه مسيحيّ وميثاقيّ ّومشرقيّ جامع يناضل في سبيل بقاء المسيحيين العرب والمشارقة كحالة وجودية لاهوتيّة وهو المدرك بمقاربات له عديدة، بأنّ قمع المسيحيين وإلغاءهم يقود إلى إلغاء يسوع المسيح من المشرق العربيّ من تاريخه ومستقبله، وتبطل بهذا الإلغاء المفاهيم المشتركة والجامعة بين المسيحيين والمسلمين بالمسلمات التشاركيّة المنشودة.

وفي الختام كلّ الإشارات قد تؤول (وقد حرف تقليل باللغة العربيّة) إلى عدم حصول الانتخابات في 31 تشرين الأول. ويخشى كثيرون بحال لم تتمّ الانتخابات في موعدها من دخول لبنان أتون الانفجارات تكون المقدمة لتسوية يصنعها الآخرون بلحومنا ودمائنا وأموالنا، فالتاريخ للأسف يكرر نفسه، وما نرجوه أن يتكلم العقل ونبطل بخطابه لغة الغرائز المستوردة.