تعيش السياسةُ الداخلية ركوداً قلّ مثيله، بسبب الفشل في انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتمديد عمر الأزمة اللبنانية وربطها بأزمات المنطقة، في حين يبحث المسؤولون اللبنانيون عن حلول في عواصم القرار خصوصاً في الملفات الكبرى مثل أزمة النازحين السوريين.
لبنان الرسمي في نيويورك ويشارك في إجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أما لبنان الشعبي فيتوزّع ما بين مَن يعيش في الفقر والعوز، وبين مَن يختنق بأكوام النفايات، فيما مجموعات كبيرة ضربها اليأس من الوضع المتردّي وغياب الدولة وانتشار الفساد والسرقات وانتصار منطق السلاح غير الشرعي، أما الشباب فيحلمون بالحصول على تأشيرة هجرة ليلتحقوا بالقوافل اللبنانية التي بدأت الهجرة منذ أيام المتصرفيّة، ولم يشكّل لها لبنان الكبير البيت الذي يبعث الأمان والطمأنينة لغدٍ أفضل.
وفي إطار حراك المنظمات المسيحيّة بغية إطلاعها على ما يدور في عواصم القرار، برزت حركةٌ لافتة لرئيس «المؤسسة المارونية للانتشار» نعمة افرام خلال الأسبوعين الماضيين، حيث تنقّل ما بين الفاتيكان وروما وباريس والولايات المتحدة الأميركية، وتمحورت لقاءاته حول شؤون الانتشار وأزمة النازحين السوريين والخطر من تهديد التوازن الديموغرافي والإرهاب، إضافة الى الفراغ الرئاسي.
شارك افرام في مؤتمر الدفاع عن المسيحيين المشرقيين في واشنطن، وتحدّث من مبنى «الكابيتول» في الكونغرس الأميركي مطالِباً بإنشاء صندوق دعم دولي للبنان، ورفض التجنيس، والضغط لإعادة النازحين السوريين إلى مناطق آمنة في بلدهم. وأمام الكونغرس عرض افرام أرقاماً تفصيلية عن تأثير النزوح السوري على المستويين الأمني والسياسي وعلى القطاعات كافة، ولا سيما على التوازن الحسّاس بين مختلف الأطياف في لبنان الذي هو أساسيّ لاستقرار الوطن. وشرح أحد أخطر العواقب الناتجة عن النزوح السوري الهائل وهو الإرهاب، نظراً الى وجود متطرّفين في صفوف النازحين.
ويقول افرام في اتصال هاتفي خصّ به «الجمهورية» على هامش جولته، إنه «رغم الموقف الأميركي المُظهّر في الأمم المتحدة في مؤتمر النازحين والرافض حالياً مشروع تنظيم العودة الى الداخل السوري نظراً لفقدان الأمن هناك، لكنّني حذّرت من وصول الإرهاب الى شرق البحر الأبيض المتوسط وعبره الى العالم أجمع. وطالبت الكونغرس بالعمل على إنشاء صندوق دعم للبنان يساهم من خلاله القطاع الخاص اللبناني والمؤسسات الدولية والإقليمية في تطوير البنى التحتية وقطاع الخدمات العامّة والقطاعات الإنتاجية».
في نيويورك، تحدّث افرام أمام مؤتمر «الطاقة الاغترابية»، داعياً الى تكاتف كلّ المؤسسات والمنظمات الإنتشارية الفاعلة لتحويل النجاحات اللبنانية الفردية الى نجاحات جماعية. وحضّ على تفعيل قانون استعادة الجنسية الذي يقرّ حقوق المغتربين ويشركهم في النموّ الاقتصادي.
وفي كاليفورنيا، التقى رئيس «المؤسسة المارونية للانتشار» رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي إيد رويس وسلمه كتاباً تضمّن عناوين مشابهة لما سبق له وأثاره في الكونغرس.
ويشير افرام لـ«الجمهورية» الى أنّ «المسؤول الأميركي اطّلع باهتمام شديد على فحوى الكتاب، وأبلغني دعمه وتأييده والعمل على تنفيذ مضامينه في لجنة الشؤون الخارجية، مؤكّداً نيّته نشر النص المرفوع في صحيفة الكونغرس». وقد دعا المسؤول الأميركي افرام الى حضور جلسة برلمانية في الكونغرس تجمعه مع أعضاء لجنة الشؤون الخارجية ومسؤولة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إيلينا روس ليتينن وكبار شخصيات الكونغرس المعنيين بالملف اللبناني.
وعن أهداف زيارته ولقاءاته، يشدّد افرام على أنّ «المرافعة هي دفاعاً عن لبنان أولاً، والزيارة هي لاستكشافٍ أوسع وفهمٍ أعمق للسياسات الخارجيّة المقبلة التي سترافق الرئيس الأميركي الذي سيُنتخب ولتأثير تلك السياسات على منطقة الشرق الأوسط ولبنان، ولاستعراض التحديات التي يواجهها وطني وأبرزها خطر الأعمال الإرهابيّة، مروراً بالجمود السياسي في لبنان ووصولاً إلى الأزمة السوريّة».
في الفاتيكان وروما كما في باريس، تلمّس افرام من خلال لقاءاته مع مسؤولين فاعلين في دوائر القرارات تغيّراً جوهرياً في الموقف حيال أزمة النازحين، «فبعدما فتحوا الحدود الأوروبية بشكل واسع في أيلول 2015، ها نحن نشهد تحفّظاً كبيراً في أيلول 2016 يصل الى حدود إقفال الحدود، والبحث والضغط لإنشاء مناطق آمنة للنازحين داخل سوريا».
افرام الذي ظهّر خطورة الاستمرار في الفراغ الرئاسي في لقاءاته الأميركية والأوروبية «الأمر الذي بات يشكل تهديداً وجودياً للبلد»، اطّلع على المساعي الفاتيكانية والفرنسية المتجدّدة في هذا الإطار مع المعنيّين الدوليين والاقليميين.