يؤكّد رئيس جمعية الصناعيين نعمت افرام أنّ مِن بين أحَبّ الألقاب إلى قلبه، وهي كثيرة، مِن رئيس جمعية الصناعيين إلى رئيس جمعية أصدقاء لبنان إلى رئيس شركة Indefco وشركات كثيرة ترَأسَها، هو لقبُ «نعمت افرام» أي الإنسان، ومِن خلال صورته استطاع تحقيق كلّ الإنجازات بحِرفية بعدما أتقنَ فنَّ إدارة العمل الجماعي وأيقنَ أهمّية تجانُسِ الإنسان والمجموعة، وتكامُلِها، فأحدثَ فَرقاً على الساحة الاقتصادية والاجتماعية. وهو اليوم بعدما خطا عتبَة الخمسين من العمر، حسب قوله، وبعد «جردة الحساب»، راضٍ عن إنجازاته. ويكشفُ لـ«الجمهورية» أنّه بين الرحيل عن لبنان أو البقاء والمجازفة وأخذِ المبادرة للتغيير وإحداث فرق، كان عليه الاختيار، فتفرَّدَ بإحداث منظومةِ عملٍ محترفة أساسُها العمل الجماعي التكاملي… فنجَح.
نعمت افرام اليوم، بالإضافة الى الإنجازات في الحقل الاقتصادي والتجاري والاجتماعي يلِج باب السياحة من مرفأ جونية، إيماناً منه بالدور الكبير الذي تلعبه السياحة البحرية حاليّاً في العالم، وبوجوب وضع لبنان على تلك الخريطة العالمية.
مشروعان للبنان
ومِن منبر «الجمهورية»، يعلن افرام بحماسة خبرَ إعادة إحياء العمل في مرفأ جونية السياحي في الصيف المقبل، ويدعو وزير الاشغال والنقل غازي زعيتر الى الإسراع في توقيع التلزيم لاستكمال بناء الغرفة المخصّصة للمسافرين التي قدّمتها بلدية جونية هبةً لمساعدة الامن العام اللبناني خلال شهرٍ مِن بَدء المناقصة.
ويكشف أنّه ينتظر بحماسة أيضاً، بالإضافة الى بدء عمل مرفأ جونية السياحي القديم، تحقيقَ حلمٍ من أحلامه الكثيرة للبنان، وهو انطلاق مرفأ جونية السياحي الكبير المميّز الذي سيكون لكلّ لبنان وبمواصفات عالمية، بعد موافقة الدولة تخصيصَ ما يقارب 40 مليون يورو له، مقابل المبلغ الذي خصَّصه اتّحاد موانئ البحر المتوسط للبنان، ويبلغ أيضاً 40 مليون أورو، وقد اختير مكان إنشائه في النقطة الواقعة قرب مجمع «بورتيميليو»، بعدما استحوَذَت اهتمام القيّمين لينشَأ عليها هذا المرفأ الضخم.
ويدعو افرام إلى التمييز بين موضوعين، فهناك مشروعان: المرفأ الجديد، وهو المرفأ السياحي الكبير لكلّ لبنان، وليس مرفأ لجونية فقط. وبعد دراسته ارتأينا إنشاءَه في نقطة استراتيجية وسط لبنان، قريبة من الأوتوستراد وأرضُها جاهزة وقريبة من المرافئ اللبنانية، وفي الوقت نفسه لها حيثيتُها وعمقها ومواصفات تجعل منها المرفأ الأمثل الذي ننشُده للبنان.
لبنان على الخريطة السياحية
أمّا الفكرة الأساس، يوضح افرام، فهي وضعُ لبنان على خريطة الرحلات السياحية البحرية التي لحَظ العالم أنّها تتزايد بنسَبٍ مرتفعة سَنة بعد سنة، وتتكاثف الشركات الكبيرة للاستثمار في السياحة البحرية ويتوسّع نشاطها في هذا المضمار، في وقتٍ يتسابق العالم اليوم لإنشاء المرافئ بهدفِ الإفادة من السياحة البحرية.
ويذكر افرام أنّ لبنان لطالما كان السبّاق الى الريادة في السياحة البحرية، بدءاً من الـ»ATCL»، مروراً بالمرفأ البحري القديم، لكنّ هذه السياحة لم تُستَغَلّ كما يجب وباحتراف من 30 عاماً، وذلك لأسباب عدة، إذ لم يُخصَّص مرفأ جونية أو غيرُه من المرافئ سوى للسفر.
وَعد بـ مليار
يكشف افرام أنّ رئيس الحكومة تمام سلام، وبعدما اجتمع به منذ ثلاثة أشهر، أبلغَ إليه أنّ المبلغ كبير ومن الصعب تأمينه راهناً، خصوصاً أنّ لبنان يعاني عجزاً ماليّاً دقيقاً بعِلم الجميع. إلّا أنّ افرام حاولَ الاستحصال على مبلغ مليار ليرة لبنانية لاستكمال الدراسات الهندسية، فوُعَد خيراً، حسب قوله، لكنّ الأمر يلزمه متابعة من النواب والوزراء ومن مختلف الأفرقاء، فهذا المبلغ وإنْ كان صغيراً إلّا أنّه مهِمّ للحفاظ على استمرارية العمل لنبقى في جهوزية متى وصلت السيولة، ونُبادر سريعاً الى تلزيم المشروع. ويدعو افرام المعنيين والمسؤولين عن هذا الملف الى ملاحقته مع المراجع الرسمية لتأمين المبلغ الصغير المطلوب.
مرفأ جونيه السياحي
أمّا عن مرفأ جونية، فيكشف افرام تفاصيلَ إعادة إحيائه قريباً بفضل جهود كثيرة مجتمعة، لكنّه خَصَّ بشكرِِ كبير كلّاً من قائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لوزارة النقل عبد الحفيظ قيسي الذين واكبوا العملَ لإحياء هذا المرفأ الحسّاس، وكانوا السبّاقين والمتحمّسين لإعادة إحيائه، فأمَّن الأمن العام مركزاً لاستقبال المسافرين، وكذلك فعلت إدارة الجمارك بعدما أمّنت التجهيزات المخصّصة لتسهيل شؤون المسافرين.
ويلفت افرام إلى أنّ عمل المرفأ بدأ العام الفائت عملياً وكان تجربةً ناجحة، لكن كانت تنقصه سيولة لسَدّ ثغرات مختلفة، فقرّرت بلدية جونية المساعدة لإعادة بناء غرفة السفر، وهي التي جمعَت ذكريات اللبنانيين جميعاً إبّان الحرب، وهي تحتاج اليوم الى تأهيل وفق المواصفات اللازمة، وقد تطوّعَت بلدية جونية لتقديمها هبة مساعدة الى الامن العام، وهي ستبدأ بعملها لتلزيم الغرفة بعد نحو شهر من بدء العمل بالمناقصة، كاشفاً أنّ المرفأ سيبدأ عمله بعد قرابة الشهرين ويصبح جاهزاً لاستقبال الزوّار.
ويشير افرام إلى أنّ شفطَ الرمل من المرفأ سيبدأ خلال 4 أيام، بعدما وعدَه قيسي بذلك إثر إجراء مناقصة بقيمة 500 مليون ليرة، متوقّعاً أن يكون العمل على الشفط قد بدأ.
الوزير والتوقيع!
خلال حديثنا، سارَع افرام الى إجراء اتّصال للتأكّد مِن بدء عملية شفط الرمل في مرفأ جونيه، فكان الجواب أنّ غرفة المسافرين التي وَعَدت بلدية جونية بتسليمها جاهزة خلال شهر بعد المناقصة، لم تبدأ عملَها حتى الآن على رغم أنّ دفتر الشروط أصبح جاهزاً، لأنّ وزير الأشغال لم يوَقّعها حتى الآن للمباشرة بتلزيم الغرفة، فأبدى افرام استغرابَه بعدما وعَدت البلدية بتسليمها جاهزةً الى الامن العام خلال شهر. وناشَد عبر «الجمهورية» الوزير المعني الإسراعَ في التوقيع المطلوب لفتح هذه المناقصة أو طرحِها للتمَكّن من تسليمها في الوقت الموعود.
أمّا إذا كان القرار يتوقّف برأيه عند وزير المال أم أنّه قرار سياسيّ مرتبط بقرار الإفراج عن مطار حالات، فيجيب افرام: «لا أعتقد ذلك، وإلّا لما كانت المؤسّسات الدقيقة، مثل الأمن العام والجمارك «سارت بالموضوع»، وإحساسي أنّ العرقلة أسبابُها فقط مسائل روتينية».
نعمت افرام و«التوظيف الذكي»
أمّا عن دور افرام في هذه القضية، فيوضح افرام أنّه يعمل عليها بصفته ناشطاً في جمعية أصدقاء المدينة، مذكّراً أنّه بما يمثّل، فإنّ دورَه يكمن في أن يكون موجوداً في المكان الذي يَشعر بوجود نقص فيه، وهكذا تعلم في مؤسسة «INDEFCO»، أي معالجة الخلل بطريقة خلّاقة وبنّاءة، وأنّ استحداث مرفأ كمرفأ جونية القديم يكلّف غالياً، فلماذا لا نستثمره وهو موجود أساساً، ولا يلزمه سوى إعادة تأهيل بتكلِفة بسيطة».
ويصف افرام مشهدَ مرفأ جونية بأنّه «قيمة مهدورة ننظر إليها ولا نفعل شيئاً منذ 15 عاماً»، الأمر الذي دفعَه إلى التدخّل «خصوصاً أنّ 300 ألف دولار فقط يمكنها أن تقلب مرفأ جونية رأساً على عقب.
وهنا يكمن دور نعمت افرام الذي وصفه بـ»التوظيف الذكي»، بعدما كشفَ أنّ عِلم الإدارة هو أن تقطف الشجرة من أسفل الى فوق، «فالفاكهة في أسفل الشجرة سهلة القطف، فلماذا التحليق للقطف. وإذا استقدمنا 5000 سائح عبر المرفأ الى لبنان في الموسم المقبل، هل يمكن تصوّر القيمة المضافة التي سيُحدثها إحياء هذا المرفأ، وبالتالي يجب أن نفكّر دائماً بطريقة خلّاقة من خلال مبادرات صغيرة نخلق فيها قيَماً مضافة كثيرة بتوظيف قليل، فضلاً عن فرَص العمل التي سنوفّرها لأهل المنطقة».
… وحَلّ قريب لأزمة السير!
ويكشف افرام أنّه في صَدد العمل على إيجاد حلّ لأزمة زحمة السير التي أصبحَت مشكلة المشاكل، عازياً غيابَ الحلّ حتى اليوم إلى «عدم ثبات
الدولة وعجزها عن اتّخاذ قرارات سريعة».
ويؤكّد أنّ «المال موجود بفضل الهبات المقدّمة، وقد وافقت عليه لجنة المال والموازنة، وأقرَّت المبلغ»، لافتاً إلى أنّ الرئيس نبيه برّي وعدَه بأنه ينتظر الجلسة العامة الأولى ليوافق مختلف الأفرقاء على المشروع حتى يدخلَ حيّز التنفيذ، ولكن ليبدأ الاستملاك.
وعمّا إذا كان يطمح من خلال زيادة الجمعيات التي يترأّسها للعب دور سياسي في المستقبل، يوضح افرام أنّ حركتَه «لا تهدف الى لعب دور سياسي لأنه يؤمن بأنّ عمل الفرد محدود وساعات العمل خلال النهار معروفة، والقوّة تكمن في خلق فرَق عمل (تُحدِث فَرقاً مدَوبَلاً)، أي effet multiplicateur، وهذا ما مكّنَه من إدارة 10 آلاف موظف في شركة Indefco.
لكنّه يضيف: «إذا سألتني أين تكمن قوّة نعمت افرام الحقيقية، أجيبك أنّ قوّتي هي أن أؤلّف فريقاً متجانساً يعمل متّحداً، فأخلق قوّة مضافة من خلال قوّة كلّ واحد منهم، ولكن يجب إدارة عملِهم بطريقة متكاملة».
أمّا بالنسبة الى السياسة، فيُدرك افرام أنّه يُتقن هذه السياسة، أمّا اليوم فهو يستغلّها لإفادة الشأن العام. إلّا أنّه يفضّل عدمَ ولوج عالم السياسة اللبنانية، موضِحاً أنّ السياسيين في لبنان يشعرون بأنّ هدفَها يكمن في معناها الصرف، أي معنى الكلمة الفعلي، إلّا أنّ السياسية في نظرِه ليست هدفاً إنّما وسيلة، ومجرّد القول إنّ أحدَهم يعمل لإنجاز مشروعٍ ما لأنه يفكّر في دخول المعترك السياسي، هو خطأ كبير، إذ يجب على السياسة ان تكون هي الوسيلة للمشروع وليس العكس، ومنهجاً لإحداث الفرق.
ويشير افرام إلى أنّ «الشحادة من الدوَل الخارجية أو غيرها، هو فشلٌ بحَدّ ذاته، لأنّنا حتى اليوم لم نَخلق في لبنان منظومةَ عمل تَخلق قيمةً مضافة تكفي نفسَها ولا ترتجي الآخرين».
في السياسة
وعمّا إذا سيكون للبنان رئيس جمهورية قريباً؟ يجيب افرام: «كنتُ متفائلاً أكثر منذ اسبوعين، أي بعد التقارب الايراني – الاميركي، لكنّني متشائم اليوم، إذ لاحظتُ أنّ الصراع يبتعد عن لبنان ويذهب الى مكان آخر، إلّا أنّه اليوم يعود ويَكبر بسرعة».
ويضيف متأسّفاً: «عندها لن يكون هناك مطار حالات ولا مرفأ صغير ولا مرفأ كبير ولا رئيس للجمهورية، إلّا إذا استدركنا الأمور داخليّاً، عندها يمكن انتخاب رئيس جمهورية في الصيف المقبل، فيتنفّس لبنان بعد الاتفاق الاميركي – الايراني وتكون الولايات المتحدة قد أحدثَت سياسة متكافئة في المنطقة بين الأفرقاء، أمّا إذا لم يوقّع الاتفاق، فمِن المرجّج أن تكون الحرب الكبيرة على أبواب المنطقة كلّها».
حركة «لبنان رسالة»
وعن حركتِه في «لبنان رسالة»، يشير افرام إلى أنّ «اللبنانيين الأصيلين في الداخل والخارج تنقصهم الثقة بمؤسّساته وجمعياته، وحين تتوافر المؤسسات التي توحي لهم بالثقة، سيسارعون الى تلبية النداء. من هنا بدأ عملنا في حركة «لبنان رسالة»، ومن هناك نُحقّق نجاحاً تلوَ الآخر في مشاريعها، بدءاً بمشروع الولد المسيحي الرابع وصولاً إلى مشاريع كثيرة على الطريق. فالمبادرات اللبنانية «ولعت» وصُدمنا بعدما اتّضَح أنّها كالقطار السريع، جاهزة للانطلاق، إنّما تنقصها سِككُ الحديد الصلبة المتجسّدة بمؤسسات تغَلّفها ثقةٌ، صدقٌ، وعملٌ دؤوب للمصلحة العليا للبنان واللبنانيين».