IMLebanon

علاقات من طرف واحد فهل يكون حب متبادل؟

 

الأفارقة في لبنان من بوابة الفرنكوفونية

 

 

بين لبنان وأفريقيا تبدو العلاقات من طرف واحد، فرغم الوجود اللبناني الفاعل اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً في عدد كبير من الدول الأفريقية يقتصر الوجود الأفريقي في لبنان في معظمه على العمالة الأفريقية مع وجود دبلوماسي بلا شك، فيما العلاقات التجارية وحتى الثقافية بين لبنان والقارة السوداء تبدو في حدها الأدنى. لكن لبنان اليوم وعبر بوابة الفرنكوفونية ومن خلال البعثة الإقتصادية والتجارية الثالثة للفرنكوفونية التي أقيمت فعالياتها في بيروت مؤخراً يحاول أن يفتح ثغرة في الجدار الأفريقي.

 

أكثر من 100 مشارك من الدول الفرنكوفونية ومن بينها دول أفريقية حضروا الى لبنان كجزء من البعثة الاقتصادية والتجارية الثالثة للفرنكوفونية التي أقيمت فعالياتها في الفترة الممتدة بين 9 و 11 تشرين الاول 2023 وذلك في إطار العودة الاقتصادية التي تخطط لها المنظمة الدولية للفرنكوفونية OIF. ولكن إذا كان التبادل الاقتصادي والتجاري والثقافي معروفاً بين لبنان والكثير من هذه الدول سواء في شرق آسيا او في الغرب إلا أن العلاقات مع أفريقيا تبقى غير راسخة بعد. «نداء الوطن» استطلعت آراء بعض أعضاء البعثات الأفريقية كما الجانب اللبناني لمعرفة أسباب هذا التباعد الأفريقي اللبناني الذي يجمع الكل على كونه من طرف واحد.

أفريقيا لديها الكثير لتقدمه

 

« القارة الأفريقية لا سيما الدول التابعة للمنظمة الفرنكوفونية لديها الكثير لتقدمه الى لبنان ولا سيما من ناحية الإستيراد يقول وزير الاقتصاد والتجارة د. أمين سلام الذي شارك في فعاليات البعثة الفرنكوفونية، لكن للأسف اكتشفنا أن لا وجود لاتفاقيات ثنائية أو بروتوكولات بين لبنان وهذه الدول. ولكن بعد هذا اللقاء الفرنكوفوني لا بد من القيام بمحادثات جدية لإيجاد هذه البروتوكولات بين لبنان وبعض الدول الأفريقية لأن هذه الاسواق الجديدة قد أثبتت قدرتها على الإستيراد كما بينت عن حبها وحاجتها للمنتجات اللبنانية. آمل بما تبقى لنا من وقت في هذه الوزارة أن نحقق ولو اتفاقية واحدة جديدة مع دولة أفريقية على أمل أن تستكمل المحادثات لتشمل دولاً أكثر».

 

الحضور اللبناني في أفريقيا واسع وفعال بينما الحضور الأفريقي مختصر جدا فهل التكاسل في تفعيل التواصل يأتي من الجهة الأفريقية أم على لبنان القيام بجهود أكبر لاجتذاب أفريقيا كأسواق واستثمارات الى لبنان؟ عن هذا السؤال يجيب الوزير سلام قائلاً «الطرفان معنيان بهذا الموضوع فحين نتكلم عن اتفاقيات ثنائية لا بد أن يكون الجهد من الجانبين وأظنّ أنه بعد هذه الفعالية الفرنكوفونية التي اطلع خلالها الجانب الأفريقي على الإمكانيات الاقتصادية والصناعية والتجارية في لبنان لا سيما في القطاعات المشاركة في هذه البعثة لا شك أن الأبواب قد فتحت لمزيد من التعاون خصوصاً أن الحاضرين أتيحت لهم فرصة لقاء أكثر من 150 شركة لبنانية. وبالنسبة لنا في لبنان علينا أن ندرك أن الوقت ينفد، وعلينا أن نعمل على تقريب الناس من بعضهم البعض، من خلال التعاون والشراكات الاقتصادية».

وجدير بالذكر أن القطاعات التي شاركت في فعالية البعثة الاقتصادية والتجارية الثالثة للفرنكوفونية هي قطاعات الصناعة الزراعية والسلع والخدمات الرقمية والطاقة المستدامة والأدوية ومستحضرات التجميل والسياحة المستدامة وهي في معظمها تابعة للقطاع الخاص.

 

في الجانب الأفريقي أين يكمن الخلل وما هي أسباب البعد عن لبنان؟ «نداء الوطن» جالت على عدد من الأفارقة المشاركين في فعاليات البعثة ومن بينهم خليل البرنوسي وهو عضو فاعل في الفرنكوفونية الإقتصادية والرقمية DFEN الذي قال إن البلدان الأفريقية كانت حتى اليوم تفضل التبادل التجاري مع أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية لأنها بلدان متقدمة أو في طور التقدم واسواق كبيرة يمكنها أن تقدم مروحة واسعة من الخيارات لا سيما بالنسبة للتصدير. والسؤال المطروح هو هل يمكن للبنان أن ينافس هذه الأسواق من حيث الاحتياجات والقدرة على تأمين سوق للتبادل التجاري مع أفريقيا؟ لا شك أن قدرة الدول المذكورة هي أعلى بكثير ولبنان من جهته معتاد على التبادل التجاري بشكل أسهل مع جيرانه من الدول العربية. من هنا فإن أول خطوة في تفعيل التبادل بين لبنان وأفريقيا يمكن أن تكون عبر الدول العربية الأفريقية التي تتشارك مع لبنان انتماءها الى الفضاءين العربي والفرنكوفوني».

 

وبرأي العضو المسؤول ان ليس الاقتصاد وحده او التبادل التجاري هو ما يمكن أن يقرب بين الجانبين بل إن الديبلوماسية الاقتصادية ينبغي أن تلعب دورها، أي ان يقوم ممثلون عن وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد بزيارات الى بلدان أفريقية ولا سيما أفريقيا الشمالية لوضع رؤية مشتركة مع المسؤولين في هذه الدول حول إمكانية تفعيل التبادل بينها. « القطاع الخاص عامة هو قطاع منطقي عملاني يتوجه دوماً الى حيث يمكنه ان يحقق نجاحات وأرباحاً لذا قد لا يهتم كثيراً بالناحية الثقافية أو اللغوية أو الدبلوماسية بل يتجه الى حيث الفائدة والربح. لذا على الجانب اللبناني الرسمي مهمة الانفتاح أكثر على أفريقيا. وما نراه اليوم أن ثمة منتجات ينتجها لبنان وتحتاجها أفريقيا والعكس صحيح لكن كلا الجانبين يفكران باسواق أخرى أولاً لذا فالتواصل الحقيقي والعميق مطلوب لتوطيد العلاقات اولاً ومعرفة الاحتياجات وإمكانية تلبيتها من الجهتين».

 

لقد أثبتت البعثة المنعقدة في لبنان أن الفرنكوفونية ومن خلال سعيها لتأمين فضاء اقتصادي موحد يمكن أن تشكل باباً لهذا الحوار الاقتصادي اللبناني الأفريقي واللقاءات الثنائية التي عقدت في بيروت قصرت المسافات وسهلت التواصل وعرفت الجهات الاقتصادية المعنية من الطرفين الى بعضهما البعض كما أظهرت حجم الفرص المتوافرة في السوق اللبناني.

 

«صحيح أن القطاع الخاص معني بشكل مباشر بهذا التواصل التجاري والاقتصادي يقول البرنوسي إلا أن انعكاس ذلك على لبنان ككل إيجابي جداً كما أن بعض القطاعات تتطلب تعاوناً بين الخاص والعام مثل التحول الرقمي او مصادر الطاقة المتجددة او التنمية المستدامة، لذا يمكن للقطاع العام ايضاً الاستفادة من الانفتاح على الدول الأفريقية كما يمكنها الاستفادة منه. لبنان حاضر بقوة في أفريقيا من خلال الدياسبورا اللبنانية ونأمل بعد هذه الفعالية أن تكون افريقيا حاضرة لا سيما أن الوفود الأفريقية تشكل الأكثرية بين الوفود المشاركة لتتعرف الى الأرض وتكون على تماس مباشر مع القطاعات والمؤسسات اللبنانية وقد علمنا أنه تم عقد اتفاقات بعضها رأى النور وبعضها الآخر سوف يخرج الى النور قريباً».

حضور لبناني وتكاسل أفريقي

 

حين سالنا احد الموجودين وهو من جمهورية التوغو عن سبب محدودية العلاقات بين أفريقيا ولبنان ابدى دهشته الشديدة نافياً ان تكون مختصرة قائلاً إن جزءاً كبيراً من التجارة في بلده ممسوك من قبل اللبنانين وكل ما يخص الشحن والآليات الكبيرة هو في يد لبنانيين. لكن العكس ليس صحيحاً فالوجود الأفريقي في لبنان محدود والتبادل بين البلدين شبه غائب ليس على الصعيدين التجاري والاقتصادي بل حتى على الصعيد الثقافي.أما السبب برأيه فيعود الى نوع من التكاسل من قبل الأفريقيين الذين لا يحبون القيام بمبادرات خارج ما اعتادوا عليه في حين أن لبنان يضم الكثير الكثير من الفرص بالنسبة إليهم.

 

مشارك آخر من جمهورية الكونغو الديموقراطية يعترف بدوره بأهمية الدور اللبناني في أفريقيا ويقول انه شخصياً عمل مع لبنانيين في الكونغو لكنه يرى انه رغم الإمكانيات الكبيرة التي يقدمها السوق اللبناني وإمكانيات التبادل لا سيما على الصعيد الرقمي إلا ان الجانب اللبناني يبدو مغلقاً على الافارقة وذلك بسبب القوانين اللبنانية التي تصعب دخول الأجانب ومنهم الافارقة الى لبنان وتشكل حاجزاً رادعاً أمامهم…

 

من بوركينا فاسو يقول احد أرباب الأعمال ان فرصة لقاء لبنانيين هي فرصة رائعة وذلك نظراً لما هو معروف عن قدرتهم الإبداعية. لكن للاسف الوجود الأفريقي في لبنان غير موجود وذلك لأن لبنان يعاني من مشاكل اقتصادية شبيهة بمشاكل افريقيا وربما أكثر لكن رغم ذلك يمكن القول أن الكثير من الاقتصادات الأفريقية تم بناؤها من قبل لبنانيين…

 

في غمرة هذا السعي لجذب الاستثمارات وبالأخص الأفريقية منها يقول د. محمد أبو حيدر مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة إن لبنان في هذه المرحلة المصيرية بحاجة الى الثقة ليتمكن من جلب الاستثمارات لإعادة أحياء الاقتصاد. لكن بوابة الاستثمارات لا تأتي إلا من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي في حال إتمامه يعطي لبنان مصداقية ليصبح قادراً على جذب الاستثمارات من جديد وتحفيز النمو. الهدف اليوم من هذه المهمة الفرنكوفونية هو خلق مجموعة من اللقاءات المباشرة بين المصدّر والمستورد وتقريب المسافات بين أبناء هذه الشبكة الواسعة لأن اي لقاء على مستوى استثماري له مردوده على الاقتصاد ككل. لكن لا بد أن تتوج هذه الحركة بمتابعة الإصلاحات المطلوبة ليتمكن لبنان من جذب استثمارات أكثر من كل الدول وعلى رأسها الدول الفرنكوفونية والدول الأفريقية. «لقد رأيت من خلال الاتفاقيات التي عقدت إمكانيات كبيرة بالنسبة للبنان، رأيت سوقاً أفريقية واسعة كنا بعيدين عنها. نحن بحاجة ماسة وحيوية اليوم الى التعاون مع الجميع ويشكل الفضاء الفرنكوفوني باباً مهماً لهذا التعاون».

 

من أكثر من مصدر كانت الشكوى من الإجراءات القانونية والروتينية في لبنان التي تعرقل ليس فقط التبادل التجاري بل حتى الحصول على تأشيرة للدخول الى البلد. من هنا كانت مطالبة الوزير سلام، اثناء مداخلته في الندوة الافتتاحية للبعثة الاقتصادية والتجارية للمنظمة الفرنكوفونية كافة الدول ومن بينها لبنان تيسير التنقل وتسهيل إجراءات السفر بين بلدانها وتبسيط التأشيرات للطلاب والسياح ورجال الأعمل بغية تحفيز عملية التبادل الثقافي والتجاري والسياحي بين البلدان الفرنكوفونية وإطلاق مبادرات ثقافية وفنية تساعد على الانتماء أكثر الى الفضاء الفرنكوفوني المشترك.

 

لبنان اليوم يحتاج الى كل دعم ممكن فلمَ لا تكون أفريقيا شريكاً مؤثراً؟