Site icon IMLebanon

إسرائيل في افريقيا… علاقة سياسة وسباق اقتصادي

 

طالما اتّبَعت إسرائيل استراتيجية المحيط التي كانت تعتمد على تركيا التي كانت من أولى الدول التي اعترفت بإسرائيل بين الدول الإسلامية، وإيران في عهد الشاه واثيوبيا في عهد هيلا سيلاسي.

ومن بين استراتيجيات إسرائيل لمحاصرة العالم العربي كانت الدول الافريقية في صلب أهدافها، ولكن لم تنجح في بناء علاقات عميقة مع أغلب هذه الدول وبقيت محكومة بالعلاقات العربية الإسرائيلية لا سيما ما يرتبط منها بمصر. عندها كانت تقود المشهد العربي والتطور الكبير في هذه العلاقات بعد اتفاق أوسلو عام 1993 لتصل هذه العلاقات الى 46 دولة في الشكل، ولكن في الباطن ترى أنها علاقات ضعيفة أو عادية تجد فيها 11 سفارة فقط.

تبنّت أغلب الدول الافريقية موقف الاتحاد الافريقي الذي يعتبر أن ما يحدث اليوم في غزة له علاقة بالحق الفلسطيني الضائع وبالممارسات التي تقوم بها إسرائيل. فقط ثلاث دول افريقية أيّدت إسرائيل، هي: كينيا التي تراجعت فوراً عن موقفها، ودولتان لا وزن سياسياً وديبلوماسياً لهما، مثل الكاميرون و توغو. وهنا لا بد من الإشارة الى موقف جنوب أفريقيا المتقدم الذي أدّى الى رفع القضية العالمية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. ويبرز موقف تشاد التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل عام 2019 وفتحت سفارتها في تل أبيب، لتعود بعد أحداث السابع من تشرين الأول وتسحب سفيرها. ولطالما كان تطبيع العلاقات الافريقية مع إسرائيل بطلب أو بضغوط من واشنطن لتأمين العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية.

كيف تأثرت افريقيا بطوفان الأقصى؟
تأثرت الشعوب الافريقية وتفاعلت مع أحداث غزة وخرجت في تظاهرات في أكثر من دولة، لا سيما غرب افريقيا الذي كان أكثر تأثّراً بهذه الأحداث. وتعتبر كينيا لافتة في هذا الإطار، طبعاً لِما لها من تجربة في الاحتلال والاضطهاد، ولكن ما يضعف من قوة هذه المواقف هو ما يحدث في بعض الدول العربية التي تقف على الحياد إن لم نقل مع إسرائيل في هذه القضية، وهذا الأمر يضعف همّة الكثير من الدول الافريقية التي اكتفت بدعم حل الدولتين بأقصى حد.
وستكون منطقة القرن الافريقي وباب المندب الأكثر تأثراً بما يجري في غزة من أحداث، لا سيما على المستوى الاقتصادي والأمني والعالمي، خصوصاً أن الكثير من الدول الافريقية تعتمد على الاستيراد وتعاني الحروب الداخلية والضعف الاقتصادي مما سيؤثّر مباشرة على الاستقرار.

منذ عام 2016 حاول نتنياهو خَلق اللوبي الإسرائيلي الافريقي في كينيا وأثيوبيا وأوغندا وروندا وتوغو في 2017، بما عُرف «بالاكواس». لكنّ هذا التحالف لم ينجح بالرغم من حلفاء إسرائيل في شرق افريقيا: أوغندا وروندا وكينيا. والهدف الرئيسي لحراك نتنياهو الديبلوماسي في افريقيا هو طلب المساندة في محاولة الحصول على عضوية مراقبة في الاتحاد الافريقي. وبالفعل، حاولت الدول الحليفة لإسرائيل تمرير هذا الملف، ولكن سرعان ما أفشل بفضل ديبلوماسية الجزائر وبعض الدول الافريقية، لتؤدي الى تعليقه وعدم مناقشته مجدداً.

ما هي أبرز أهداف إسرائيل
في افريقيا؟
كان ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي يعتبر أن الدول الافريقية مفيدة لناحية عدد الأصوات في المنظمات الدولية، ولم يكن يقيم للعلاقات معها أي أهمية على المستوى الاقتصادي. وبعد الاكتشافات الحديثة والتغيّرات في الأنظمة الاقتصادية يبدو أنّ لنتنياهو نظرة واستراتيجية مختلفتين أو معدلتين على نظرة بن غوريون، اذ يعتبر أنه والى جانب أهمية الدور الديبلوماسي والسياسي للدول الافريقية فإنّ لها أهمية كبرى على المستوى الاقتصادي بحيث أنها دول غنية وعاجزة في الوقت نفسه عن استثمار مواردها، فجَعلَها هدفاً اقتصادياً واستثمارياً، مثلاً سوق الألماس. وتُعتبر إسرائيل أكبر مُصدّر له وهي لا تملكه، بل كله ألماس افريقي، بالإضافة الى الهدف السابق في محاصرة المنطقة العربية عبر استراتيجية المحيط من خلال تركيا ايران الشاه واثيوبيا هيلاسي لاسي، الذي كانت إسرائيل تدير حرسه الخاص وأفشلت 3 محاولات انقلابية ضده خلال حكمه حتى عام 1976 لتتحوّل الى علاقة براغماتية عادية في عهد «التغراي».

تكمن أهمية أثيوبيا في إفشال الثورة في اريتريا، حيث أن الثوار هناك محسوبون على العرب، وأن نجاحهم ووصولهم الى الحكم سيحوّل البحر الأحمر الى بحيرة عربية. وكانت أثيوبيا تحتل أريتريا، وكانت إسرائيل متواجدة في هذه الدولة من خلال علاقتها المتميزة بأثيوبيا، وهذا ما أدى أيضا الى إسقاط حكم «الإنقاذ» في السودان الذي كان يدعم القضية الفلسطينية والمناهض لإسرائيل.
ولكن لا شك أنّ الأحداث والاضطرابات السياسية والأمنية الأخيرة في اثيوبيا منذ العام 2016 لم تعد تلبّي المتطلبات الإسرائيلية كما السابق، ولكن لا تفقد اثيوبيا الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل كونها القاعدة المهمة الوحيدة والمتقدمة لها على البحر الأحمر.
يبقى هدف إسرائيل استقطاب الدول الافريقية والدخول كعضو مراقب في الاتحاد الافريقي. ولهذا الهدف أسباب سياسية استراتيجية واقتصادية أيضاً، ولكن حتى الآن فشلت في تعميق علاقاتها مع القارة السمراء بالرغم من التطبيع مع غالبية الدول الافريقية.
ويبقى انّ الثقل العربي في الدول الافريقية، مصر سابقاً ومعها الجزائر اليوم، يقف حائلاً لتقدّم الملفات الإسرائيلية في الدوائر السياسية الافريقية. كما أنّ للتطبيع العربي مع إسرائيل أثره المباشر الدافع الى تطبيع الدول الافريقية بحيث أن الكثير من الحكومات لا ترغب أن تكون ملكية أكثر من الملك.
ودخول الصين الى أفريقيا منذ العام 2000 من البوابة الاقتصادية وابتعادها عن الانخراط في الشؤون السياسية الداخلية جعلَ الشعوب الافريقية تميل الى النموذج الشرقي في العلاقة ومعها روسيا اليوم، وسيكون لهما تأثير كبير فيما سيدور من أحداث على المسرح الافريقي، وستؤثران حتماً على مسار العلاقة الافريقية مع إسرائيل كنتيجةٍ طبيعية لتراجع العلاقات الافريقية الغربية، باعتبار إسرائيل الممثل الأول للتوجّه الغربي في المنطقة.