بينما يقترب وقف اطلاق النار في سوريا من دائرة الصيرورة، يتّسع نطاق الاداء الموضوعي الهادئ لأطراف، كان الرهان على انها ستزداد تشنّجا، اذا ما انتهت هذه الحرب، كما تشتهي وتريد.
وثمة من يرى في تجاوب حزب الله مع مختلف طروحات ما بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، دليلا على اطمئنانه للوضع الحكومي خصوصا، ما جعله يتناسى التحديات السياسية الداخلية، والتركيز على مصيره في سوريا، وما بعد سوريا في ضوء قرار الدول المعنية اخراج القوى الخارجية من سوريا، بعد وقف النار ومنها حزب الله…
اللافت، في هذا السياق ان هذه الحالة قائمة منذ الشروع بتأليف الحكومة، حيث كلّف الحزب الرئيس نبيه بري المفاوضة باسمه، ونيابة عنه وكان واضحا تجنّبه الخوض في تشنّجات تشكيل الحكومة، وحتى في موضوع البيان الوزاري، الذي صدر بالسرعة التي صدرت فيها مراسيم الحكومة، فيما كان البعض يراهن، أو على الأصح يتوقع، استمرار لعبة شدّ الحبل من التشكيل الى صياغة البيان الوزاري الى الثقة، التي توازت في عدد الأصوات مع حصيلة الأصوات التي صبّت في صندوقة انتخاب الرئيس عون، وإذ نجحت التسويات في تمرير الجمل من خرم الإبرة…
ومع ذلك فان قناة المنار اعتبرت ان حكومة استعادة الثقة نالت نصفها وبالتالي ان العبرة في النصف الثاني. ما يعني ان هناك ما هو مطلوب من الحكومة الحريرية، للحصول على النصف الآخر من الثقة النيابية. وهذا ما ترجحه كلمة الدكتور سمير جعجع في عشاء مهندسي القوات أمس الأول، والتي تضمّنت اشارتين لا تعبّران عن الارتياح، ليس لنوعية الأطباق التي قدّمت على العشاء مثلا، إنما من أمور يمكن للحصيف استنتاجها من قراءة قوله: لدينا حكومة أخذت الثقة، ولو انها ليست على قدر تطلعاتنا… ولكن يمكننا محاسبتها واسقاطها أيضا، ويمكن لرئيس الجمهورية ان يجري استشارات لتكليف رئيس حكومة جديد…
ما نتصوره عدم ارتياح من جانب الحكيم حمّال أوجه، فقد سبق له أن أعلن عدم الممانعة في زيارة الرئيس عون الى ايران، كونها دولة، لكنه يمانع بزيارته سوريا، حيث هناك نظام لا دولة. وموقفه هذا له مؤيدوه في الوسط السيادي حسب التوصيف الجديد لفريق ١٤ آذار الذي بات جعجع بمثابة رأس حربته.
ويرد على ذلك بأن لا حزب الله ولا أي طرف آخر من فريقه، حاول تصعيد الموقف حيال قرار الرئيس عون بأن تكون زيارته الخارجية الأولى للسعودية ومحيطها الخليجي، مع ان البعض حاول التشويش بداية، لكن الرئيس عون كان حاسما في خياراته، فالسعودية ومعها دول الخليج قاطبة، هي منهل الدعم العذب للبنان الدولة والشعب، منذ فجر الاستقلال، ولئن امتعض البعض من هذا الخيار، أو كتم البعض الآخر غيظه، فبحسب رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير، ان ٨٥ بالمئة من الاستثمارات في لبنان خليجية.
وهل تكون القوانين الانتخابية المتداولة، مصدر الأرق الظاهر، خصوصا طرح النسبية الكاملة كنظام انتخابي مع الدائرة الموسّعة؟ علما ان ثنائي حزب الله وأمل، تحوّلا أكثر، مؤخرا، نحو المختلط.
وربما تكون الحملة على الفساد والمقرونة بالاصرار الى اقفال مزاريب الهدر الرسمية، كما وصفها الرئيس عون، دون المستوى المطلوب؟ علما ان هذه الحملة تظفر بالاهتمام الشعبي والاعلامي الأكبر، لما فيها من موبقات جعلت أطقما وزارية ونيابية بأكملها تحت غربال…
يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، ان الشقاء توأم البشرية منذ ظهورها، وهو لا يحدث ثورات أو انتفاضات، بل ان ما يحدث ذلك هو الوعي بالشقاء ذاته، فهل ما نراه عندنا في هذه الأيام هو الوعي بالشقاء بعد غياب طويل؟
المطلوب الآن عدم الركون الى التسويف أو التسوية واستدراك ما باليد من فرص الاصلاح، فأفعى الفساد في مكان مفتوح والقضاء عليها حيث هي أسهل، وإلاّ فعندما تصبح في وكرها يغدو سمّها قاتلا…