وصل تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن، إلى الذروة إثر هجمات 11 أيلول 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة الأميركية، ليبدأ بعد ذلك مسيرة الانحدار بعدما حشدَ الأميركيون قواهم العسكرية والاستخباراتية لتدمير هذا التنظيم الإرهابي.
ليس واضحاً إذا كان التاريخ يعيد نفسه مع تنظيم الدولة الاسلامية المسمّى «داعش» بعدما استهدفَ في أواخر الأسبوع الفائت فرنسا التي أعلنت حرباً بلا هوادة على التنظيم الإرهابي المنتشِر بكثافة في سوريا والعراق. فهل بدأ العدّ العكسي للقضاء عليه؟
لا شك انّ هجمات «داعش» في فرنسا تعكس قفزة كبيرة لقدراته اللوجستية والمخابراتية، لأنه تمكّن من خَرق رقابة المخابرات الفرنسيّة، المعروفة بصلابتها ويقظتها عادة، لتنفيذ هجمات في الداخل الفرنسي، ما يؤكد وجود ثغرة معيّنة تمكّنَ التنظيم من اختراقها وتنفيذ مجموعة عمليات دفعة واحدة، مستخدماً أسلحة رشاشة وتفجيرات وأسر رهائن وما إلى ذلك من عمليات مؤلمة.
ولا بد من الاشارة إلى أنّ ما هو غير مألوف في هذه الهجمات يتمثّل بالدقة في التنفيذ والسرعة وإلحاق عدد كبير من الخسائر وكثافة العناصر المنفّذة بالمقارنة مع العمليات السابقة التي كانت تتضمن عنصراً واحداً أو عنصرين كحدّ أقصى.
واللافت انّ استراتيجية «داعش» شهدت تغييرات منذ بدء العمليات العسكرية الروسيّة في سوريا دعماً لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وهي تتوزّع على ثلاث مستويات:
– بناء علاقات مع الجماعات الجهادية التي تقاتل على الأرض في سوريا والعراق.
– التوسّع في العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
– تنفيذ عمليات نوعيّة في الغرب، وتحديداً ضد دول التحالف التي تشنّ الهجمات ضد التنظيم، إضافة إلى ضرب المصالح الروسيّة.
أهداف «داعش» لا تُخفى على أحد بدءاً من إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي المصرية، مروراً بتفجير داخل الضاحية الجنوبية في لبنان، وصولاً إلى الهجمات في فرنسا، وهي إحداث نوع من الإرباك والفوضى في دول العالم الحرّ تمهيداً لضرب استقرارها الداخلي وإلهائها، وبالتالي إثارة نوع من حرب الشوارع فيها وإن بشكل محدود.
وها هو التنظيم يتوسّع أكثر بحيث باتت مروحة انتشار خلاياه كبيرة وتشمل أفغانستان، الجزائر، مصر، ليبيا، نيجيريا، باكستان، المملكة العربية السعودية واليمن. وهذا دليل قاطع على فشل ذريع للأميركيين والروس معاً في مواجهة هذا التنظيم الاسلامي المتطرف.
وبالتالي، إنّ الضربات الجويّة التي يشنّها الأميركيون والروس وحتى الفرنسيين لم تؤدِ إلّا إلى توسّع «داعش»، ذات القدرات التنظيمية العالية، إلى خارج سوريا والعراق، وتوجيهه ضربات مؤلمة لمصالح الدول التي تحاربه، فاخترقَ أمنها وخلخَلَ استقرارها.
في موازاة ذلك، تحتاج عواصم القرار إلى إعادة تقويم استراتيجيتها في مكافحة «داعش»، إذ لم تعد الغارات الجوية كافية لتقليص نموّ «داعش» وإضعاف قدراته وتضييق لامركزيّة انتشاره، وإلّا لن يتأخّر عن توجيه ضربات مؤلمة أخرى في أكثر من دولة مُتباهية بإمكاناتها العسكرية والمخابراتية وترساناتها النووية.