IMLebanon

ما بعد «مؤتمر الأزهر»  من إيران إلى لبنان

كنا نتمنى أن تكون إيران المرجعية الدينية ومعها رموز من الطيف المحافظ والطيف الإصلاحي مشاركاً في «مؤتمر الأزهر» بدل أن يستبق هؤلاء إنعقاد المؤتمر بعشرة أيام ويعقدون في «قم» مؤتمراً بعنوان «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية».

وإستباقاً لما يمكن أن يسجله بعض المدعوين إلى المؤتمر من وجهات نظر موضوعية حول ظاهرة الإنقسام المقلقة الحاصلة منذ فترة طويلة في الصف الإسلامي وحول تحوُّل بعض التنظيمات والأحزاب والحركات الحاملة أسماء إسلامية، فإن «مؤتمر قم» أضاف المزيد من الحطب مع أن لمأمول منه كان تبريد هذه الأجواء العاصفة التي تتنقل من دولة عربية إلى أخرى ويكون الخطاب الإيراني كما قرأناه بين سطور الكلمة التي ألقاها المرشد علي خامنئي في حفل إفتتاح «مؤتمر قم» وبالذات إختصاره ظاهرة العنف والإرهاب التي تُمعن خراباً في بعض دول الأمة بأنها بفعل تمويل ألمح إليها من دون تسمية. وفي هذا لم يكن المرشد موضوعياً ونأى عن تشخيص الظاهرة وقصْده من ذلك القول إنه لا علاقة لإيران بهذه الظاهرة.

لقد إستبشرْنا خيراً بـ «مؤتمر الأزهر»، من منطلق أنه سيقوم بتشخيص ظاهرة العنف والإرهاب التي تنحصر بأطياف إسلامية، ورأينا فيه محاولة تنبيه جدية إلى ما ستنتهي إليه أحوال الأمة إذا كان لن يحدث التدارك على وجه السرعة. ولكن إفتقاد المؤتمر إلى مشاركة إيران ليس فقط جعله مثل طائر بجناح واحد، وإنما لأن إيران بإستباقها «مؤتمر قم» أظهرت العزْم على أن تبقى الحال على ما هي عليه وأن لا يقوى الطائر الأزهري، إذا جاز القول، على التحليق بما يُساعد على تنقية الأجواء من شوائب مثل فوضى الفتاوى وبالذات منها ما يحلل العنف ويزيِّن محاسنه للشباب الذين يحتاجون إلى كلمة طيبة تنصح بدل أن تحرض وتوضح جوهر الدين عوض إفتعال أقوال وتهيؤات تجذب عقولاً تعاني في الأصل من إخفاقات للأنظمة، في إدارة شؤون البلاد والعباد.

وقد نجد من يرى إن الظاهرة التي تشكو جموع الأمة منها لا بدّ ستصطدم  بجدار الوعي ولا تعود هنالك فرصة للذين يعتمدون المذهبية أوراقاً من أجل أن يحكموا إذا كانوا لم يحكموا بعد أو من أجل تحصين سلطاتهم بعدما ذاقوا حلاوة طعم السلطة على حساب مرارات يذوقها النّاس. وهذا منطقي لأن خطاب أهل العنف والتمذهب ومستعملي الدين وسيلة بعضهم للوصول والبعض الآخر للبقاء، قد يبدو براقاً شكلاً لكنه في واقع الأمر يُعبِّد الطريق إلى العتمة. ولنا على سبيل المثال ما هو حاصل بنسب تُراوح بين الحد الوسط الخطير والحد الأعلى الأكثر خطورة في ثلاثة أرباع العالم العربي. ونحدد هذه النسبة من منطلق ما يعيشه لبنان وسوريا والعراق وفلسطين والسودان ومصر وليبيا،  وكاد يعيشه بعض دول الخليج، وكذلك الأردن والجزائر وتونس والمغرب لولا القليل من إستعادة الوعي والتنبه إلى ما يكابده النّاس في دول أخرى.

ثم ما الذي يضير دولة بحجم إيران وثرواتها لو أن قيادتها كانت بدل إستباق «مؤتمر الأزهر» بخطوة كيدية هي تلك التي تمثَّلت بـ «مؤتمر قم»، شاركت في المؤتمر الأزهري وباركت رؤيته لواقع الحال، ثم وقف بعض العلماء الإيرانيين جنْباً إلى جنْب مع المشاركين في «مؤتمر الأزهر» من مسلمين ومسيحيين وفي الجلسة الختامية للمؤتمر وجَّه مَن ينوب عن الإيرانيين المشاركين الدعوة إلى مؤتمر مكمِّل لـ «مؤتمر الأزهر» يستضاف في «قم» وبهدف تعميق الرؤية الموحَّدة التي تواجه العنف والإرهاب الذي لن يُميّز في نهاية المطاف بين دولة وأخرى بمن فيها إيران التي يحقق لها الإستقرار جوار تتبادل الطمأنينة والخير معه، في حين أن تطلعاتها الطموحة لن تحقق للشعب الإستقرار كما نتصوره، ولا نرى في المشهد أمامنا إيران بعد عقدين من الزمن سوى أنها مثل كوريا الشمالية تملك النووي لكن شعبها محروم نعمة الحياة الدنيا وربما بحبوحة العيش من ثروة النفط، يتمتع بها شعب روسيا أكثر من شعب إيران.

ومع أن الذي تمنينا حصوله لم يحصل، أي أن إيران شاركت في «مؤتمر الأزهر» ولم تستبق عقْده بـ «مؤتمر قم»، إلاَّ أن التمني ما زال يتطلع إلى أن تُوجه إيران الدعوة إلى الذين شاركوا في «مؤتمر الأزهر» إلى دورة ثانية يعقدها المؤتمر في طهران أو حتى في «قم» ثم يلي ذلك إنعقاد دورة إستثنائية وعاجلة في لبنان ثم في عواصم مشارقية ومغاربية وخليجية وأسيوية وصولاً إلى عقد دورة إستثنائية وتاريخية لن يكون موعدها بعيداً، في القدس. وقصْدُنا من ذلك أن يصبح المؤتمر كما مؤتمرات القمة العربية والقمة الخليجية والقمة الإسلامية، دورياً وعامل مساندة من جانب العلماء ورموز الفكر المستنير من القرآنيين لأصحاب القرار قادة الأنظمة العربية والإسلامية. ونقصد بالقرآنيين المؤمنين الذين لا يؤيدون العنف و«الجهاد» ويمطرون المجتمع بالفتاوى التي لا تهدي إلى سواء السبيل. كما نقصد بالقرآنيين أولئك الذين لا يمدون ظاهرة العنف والتكفير والإرهاب بالمال والسلاح والوعود البًّراقة.

ويبقى القول إنه بقدر ما تتآلف الرؤى المذهبية تتقارب الرؤى السياسية. وهذا التآلف وذاك التقارب هما خير علاج لإبقاء الأبواب موصدة أمام إجتياحات جماعات العنف والإرهاب الذين جعلوا الدين جسراً للعبور عليه بغية تحقيق مهمات لا نبالغ إذا نحن إفترضْنا أنهم مكلَّفون بها من أطراف دولية لا تريد للأُمة الإستقرار… بل ولا أن تكون خير أُمة أُخرجت للناس.