لا يختلف اثنان على أنّ سيطرة الجيش السوري وحلفائه على مدينة حلب بكاملها تقضي على آخِر آمال معارضي الرئيس بشّار الأسد في إمكانية إزاحته عن السلطة.
ميشال كيلو نفسه أقرَّ بالهزيمة. من المفترض أن يستعيد النظام السوري المدينة الثانية، والتي كانت تُعرَف بالعاصمة الاقتصادية، خلال وقت قريب جداً لتبدأ بعدها مرحلة جديدة مختلفة عن التي سبقت. مرحلة تَجمع بين العنف المتنقّل والمضبوط وفق قواعد صارمة، وبين فتح أبواب قاعات التفاوض لإنتاج دولة سوريّة جديدة تقوم على تقاسم النفوذ.
ذلك أنّ طرد «داعش» من الرقة لا يزال ينتظر حسابات انتهاء معركة الموصل في العراق، إضافة الى المجموعات التي ستتولّى القتال، لأنها ستكون «الوريثة» المباشرة لإرثِ «داعش»، وبالتالي ستخضع تلك المنطقة لنفوذها ضمن إطار سوريا الغد.
وفيما يبدو أنّ كلّ هذا الملف ينتظر دخولَ دونالد ترامب الى مكتبه البيضاوي وتعيين صهرِه مبعوثاً رئاسياً خاصاً الى المنطقة، نَقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أحد أقرب مستشاري ترامب أنّ حرب الإطاحة بالأسد قد فشلت، وأضافت نقلاً عن مستشاره نيوت جينجريتش وهو شغلَ موقعَ رئيس مجلس النواب الاميركي في مرحلة سابقة: «أعطوني استراتيجية واحدة وواقعية تضمن التخلص من الأسد.
أعرف الجواب مسبقاً بأن لا وجود لها». و تابع: «لا وجود لتحالف قوي يمكنه هزيمة التحالف المؤيّد للأسد والمؤلّف بشكل أساسي من ايران وروسيا». وختَم بالقول: «علينا أن نكون واقعيّين، الأسد باقٍ في السلطة، وروسيا ملتزمة بذلك».
في موازاة ذلك، أورَدت بعض مراكز الدراسات الرصينة في واشنطن تقاريرَ منقولة عن وزارة الدفاع الاميركية تركّز على نقطتين:
الأولى، أنّ استخدام روسيا لقواتها في سوريا لا سيّما منها حاملة طائراتها الوحيدة والتي أخضعتها واشنطن لرقابة ومتابعة صارمة، إنّما أظهر أنّ للجيش الروسي نقاط ضعف كثيرة ظهرت، وهو ما يعني وجوبَ عدم القلق من منحِ روسيا دوراً عسكرياً خارج حدودها، كون ذلك لا يُهدّد جدّياً المصالح الامنية والعسكرية الاميركية.
والثانية، أنّ ما روته على الدوام القوى والدول المناهضة للأسد والساعية إلى الإطاحة به عن أنّ النظام السوري استُنزِفَ عسكرياً وهو على شفير التفكّك إنّما كان مبالغاً فيه، وهو ما ظهر من خلال معركة حلب حيث يتولّى الجيش السوري فعلياً المعارك ولو بمساعدة إيرانية وأخرى من «حزب الله»، إضافة إلى مساعدة روسيّة بالحدّ الأدنى الممكن لكي تحفَظ دورها راعيةً لعملية السلام بين كلّ الأطراف لاحقاً.
ولم يكن ميدان حلب هو الوحيد الذي تغيّر لمصلحة النظام السوري، بل المعادلة الإقليمية ايضاً، خصوصاً لجهة مصر وتركيا. فمِصر تقف الى جانب الأسد في حربه القائمة لسببَين: الأوّل استكمالاً لحربه القائمة على ضرب الإسلاميين داخلَ مصر والساعين الى قلب نظامه، وبالتالي السعي الى خنقِ كلّ ما يمكن أن يؤثّر لمصلحتهم في المنطقة.
والثاني هو السعي إلى توسيع نفوذها الخارجي واسترداد دورها الإقليمي كقطب في المنطقة، وليس المواءمة الكاملة مع أيّ دولة بما فيها دول الخليج. إضافة الى رهانها على إدارة ترامب والسياسة التي ستتّبعها في الشرق الاوسط والتي سترتكز فيها على دور متقدّم للقاهرة.
أمّا تركيا التي اختارت التماهي مع روسيا، وتحديداً منذ حصول الانقلاب الفاشل، فإنها تختار مواقفها في سوريا بالتنسيق الكامل مع روسيا.
ويتردّد أنّ روسيا توصّلت مع تركيا الى تغيير قواعد اللعبة في شمال سوريا من خلال خفض أو وقف الدعم للمعارضين في حلب، وهو ما يفسّر الانهيار السريع لـ«داعش» وإعلان هذا التنظيم تركيا هدفاً له في العالم، في مقابل نفوذ تركي على طول الحدود ولو على حساب الاكراد في بعض الاماكن.
صحيح أنّ هذه الصورة استقرّت لمصلحة الأسد حالياً، لكنّ فريق ترامب يريد أو يراهن على «وظيفة» أكبر للدور الروسي، وهي الحدّ من النفوذ الايراني وتعبئة الفراغ في المنطقة من موسكو لا طهران.
وقد تكون روسيا حجَزت مناطق نفوذها وأمسَكت بكلّ الساحل السوري والمنطقة المحيطة به وتقدّمت لتُمسك بالوسط من خلال مدينة تَدمُر إضافة إلى ميل رجال النظام الى التعاون مع روسيا أكثر منه مع ايران لأسباب عدة.
لكنّ المسؤولين في إدارة الرئيس باراك اوباما يشكّكون في هذه الصورة «الورديّة». ذلك أنّهم يعتقدون أنّ تجاربَهم تعطيهم تقديرات مختلفة وأنّ الرئيس المقبل للولايات المتحدة الاميركية دونالد ترامب لن ينجح في تشكيل تحالف مثمر حول الرئيس فلاديمير بوتين في سوريا. وحسبَ هؤلاء فإنّ المصالح، وإن بدت متقاربة في الظاهر، لكنّها متعارضة في نهاية المطاف.
في انتظار ذلك، يستعدّ تنظيم «داعش» مرّة جديدة للعودة الى تحت الارض وسيَعمد الى تنشيط عملياته الإرهابية وتفعيل خلاياه في كلّ انحاء العالم. ولبنان يبقى ساحةً مثالية له من نواحٍ ثلاث: مخيّمات النازحين السوريين، المخيّمات الفلسطينية ولا سيما منها «عين الحلوة»، وبعض المناطق اللبنانية حيث نجح في إنشاء خلايا له.
والعملية ضد الجيش اللبناني في بقاعصفرين تشكّل إنذاراً أوّلياً لأجندة العمل المستقبلية له لمرحلة ما بعد حلب.