Site icon IMLebanon

بـعـد حــلــب..

السقوط ليس دائماً نهاية

المطر يسقط وهو بداية

(مثل ياباني)

سقوط حلب، بداية، شرط أن تتوقف «الكربلائيات»، ويتم تدارس الأسباب واستخلاص الدروس، والعمل بها فوراً، قبل أن تسقط إدلب وتتكرر مشاهد الدمار والقتلى وباصات الترحيل إلى المجهول هذه المرة.

عندما هيمن الروس على الجو، وسبقهم الإيرانيون في الزحف الميداني، كان يجب إعادة قراءة خريطة الأرض، وقوى الثورة. لكن من الواضح أن ذلك لم يكن ممكناً، لأن كل مقاتل كان قادراً على ترؤس عشرة مقاتلين، شكل تنظيماً واعتبر نفسه قائداً سيحرر سوريا وربما يتوجه إلى العراق لطرد «داعش» و»الحشد» في وقت واحد، وهو الذي لم يكن قادراً على الإمساك بالحي الذي يتواجد فيه. لا خلاف على:

[ أن «القيصر» أرسل طيرانه الحربي بطلب إيراني بعد أن تأكد «المرشد» آية الله علي خامنئي ومعه قادته

من «الحرس الثوري» أنه لم يعد قادراً على الانتصار أمام فصائل الثورة الممزقة. «القيصر» تقدم لينقذ «المرشد» ومعه الأسد، حتى أمسك بالقرار ووضعه في خدمة استراتيجيته التي تقوم على أن «الحرب في سوريا هي حرب أهلية روسية، يجب أن تنتهي بسحق الإسلاميين والإرهاب. وأن سوريا هي الحلقة المركزية لعودة روسيا قوة تنافس الولايات المتحدة الأميركية«.

[ أن إيران، بقيادة «المرشد» و»الحرس الثوري» الخائف على موقعه في السلطة بعد تقدم المعتدلين، جعلوا من بقاء الأسد بقاءهم، باسم المقاومة وضرورة الحفاظ عليها. لم تنجح إيران في التدخّل البري الذي كان مستحيلاً بسبب غياب الحدود الجغرافية المشتركة كما في العراق. لم يكن باستطاعة إيران إرسال قوات إيرانية مباشرة، لأن مثل هذا التدخّل يغير المعادلة ويجعل مواجهتها دولياً شرعية. نجحت القيادة الإيرانية، بإرسال «حزب الله» إلى سوريا عبر الحدود المشتركة اللبنانية – السورية باسم حماية مقام السيدة زينب، ثم في توالي موجات الميليشيات، العراقية والباكستانية والأفغانية. «لحم المدافع« الحقيقي هو من اللاجئين «الهزارة» الشيعة. أغرتهم طهران بالمال (400 دولار للمقاتل) وتسهيلات الإقامة والجنسية. مسألة نقلهم إلى الجبهة جرى حلّها عبر العراق. السفير الأميركي السابق في دمشق جون فورد كشف أن «الطيران المدني العراقي تولى حل عقدة النقل«. هذه «الكارثة» اكتملت بإغماض الرئيس باراك أوباما عينيه، فكان أن وقع التفوق العسكري ضد الثوار والقوى الإرهابية مجتمعين.

التفوق في الجو والأرض، أسقط حرب المواقع وتدريجاً حرب المدن. «العمى الأوبامي» ثَبّت هذا التفوق، الذي أنتج الكوارث نتيجة للجرائم الأسدية ضد الإنسانية الناتجة عن البراميل المتفجّرة والأسلحة الكيميائية والقتل والتهجير المبرمج، الذي يهدف، كما هو واضح إلى تغيير التركيبة الديموغرافية، إذ لا أحد يضمن إعادة البناء، ولا حماية العائدين من النازحين والمهجرين من الأجهزة الأسدية الحاقدة، ويتمظهر بالتالي في عمليات قتل جماعية للمقاتلين وعائلاتهم في الأزقة الخلفية لحلب أثناء عملية الانسحاب منها.

بعض القيادات السورية، بدأ يفكر في العمل على تغيير استراتيجية الثورة. البداية في عدم فقدان الأمل، لأن غياب الأمل يثبت الانتقال من خسارة مواقع إلى الهزيمة الكاملة (كانت هذه الزاوية قد أشارت إلى التفكير بالاستفادة من تجربتي الفييتكونغ وحتى «حزب الله« في جنوب لبنان). والبداية في الفصل التام والناجز بين الثورة والقوى الإسلامية المتطرفة. يجب أن يقتنع العالم، خصوصاً واشنطن وأوروبا، بالطلاق البائن بين الثورة والإرهابيين، يتطلب ذلك بعض الوقت، لكنه ضروري جداً. في الوقت نفسه يجب رفد هذا الفعل، بالعمل على توحيد الفصائل عسكرياً وسياسياً على قاعدة رؤية متكاملة لسوريا – الوطن القادرة على إسقاط صيغة «الأسد» الذي «يحارب« الإرهاب وهو عملياً «يقاتل ليبقى إلى الأبد».

يد واحدة لا تصفّق. مهما فعل السوريون وقاتلوا وشذبوا الثورة، فإنهم سيبقون أيتاماً غير قادرين على العيش والمقاومة. المطلوب، كما يقول المتنورون في الثورة، أن تجتمع الدول العربية التي وقفت مع الثورة وتقرر ماذا تريد؟ وإلى أين ستصل في دعمها للثورة التي لن تستعيد قواها في سنة أو أكثر. لتكن الصراحة سيدة المواقف في «الزواج« أو «الطلاق«. كل هذا على قاعدة أن إيران ستتقدم من سوريا والعراق إلى باب المندب. تبادل التهاني في طهران في «تحرير حلب» رافقته تصريحات بأن الحل في اليمن والبحرين آت. لم يوضح الإيرانيون ماذا يقصدون بذلك، لكن من الواضح أنه لا توجد خطوط حمر أمام المرشد المنتصر. ما يشجع «المرشد» في رفع «رصيده» من المكاسب، التحضير للمفاوضات أو للمواجهة مع الرئيس دونالد ترامب.

يمر العالم في مرحلة انتقالية، لا يمكن رصد ورسم نهاياتها. يضاف إلى ذلك أن منطقة الشرق الأوسط مساحة من الرمال المتحركة والمتغيرات. لذلك لا يمكن حالياً بناء ثوابت متكاملة، والأفضل التقدم خطوة خطوة.