IMLebanon

ما بعد أستانة  ما قبل جنيف

لقاء أستانة انتهى الى تكريس ما قاد اليه: بحث تقني في تثبيت وقف النار. وعد بآلية مشتركة روسية – تركية – ايرانية لمراقبة وقف النار وتسجيل الخروقات ومعالجتها. تأهيل المعارضة المسلحة للمشاركة في التفاوض على تسوية سياسية في محادثات جنيف. توجيه كل البنادق نحو داعش والنصرة. والباقي كلام في بيان ثلاثي مشترك للدول الضامنة لا يضيف شيئا الى بيانات سابقة، ولا أحد يجهل ان تنفيذه بعد كل ما حدث مهمة مستحيلة.

والواقع ناطق: ليس بين اللاعبين الخارجيين في حرب سوريا من هو محايد. لا الأميركي، ولا الروسي، ولا الايراني، ولا التركي، ولا السعودي، ولا القطري. حتى الأمم المتحدة، فان دورها كوسيط عبر جهود ستيفان دي ميستورا خاضع، بطبائع الأمور، للتأثر بمواقف القوى الكبرى وحساباتها ومراوحتها بين التفاهم والخلاف.

فضلا عن ان النظام الذي حمته موسكو من السقوط، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وتقاتل الى جانبه ايران والميليشيات المرتبطة بها يضع تركيا وأميركا في خانة قوات احتلال واعتداء على السيادة. والمعارضة ترى روسيا وايران وحزب الله قوات احتلال تطالب باخراجها من سوريا. دمشق ترى ان كل من يحمل السلاح ضد النظام هو ارهابي. والرئيس بشار الأسد اعتبر ان وفد المعارضة المسلحة الذي ذهب الى أستانة ارهابي وعليه إلقاء السلاح لتسوية أوضاعه ودخول المصالحات وبالمقابل، فان الأسد وأركانه هم في نظر المعارضين والدول الداعمة لهم نظريا أو عمليا مغتصبون للسلطة وفاقدون للشرعية ومرتكبون لجرائم حرب.

لكن اللعبة تقضي بتقبل تغيير التصنيفات، ولو على طريقة مكره لا بطل. فالنظام يذهب الى لقاء يضع الروس فيه المحتل التركي بين الدول الضامنة لوقف النار وما بعده. والمعارضة المسلحة تقول كلاما كبيرا، وهي تجلس مع المحتل الايراني كضامن، وتأمل في أن يضغط المحتل الروسي على دمشق وطهران ويلعب دور المحايد. والسؤال هو: كيف يصل اللاعبون الداخليون والخارجيون الى المشاركة الجدية في الحرب على داعش وجبهة النصرة للقضاء على دولة الخلافة الداعشية والامارة الاسلامية التابعة لتنظيم القاعدة.

المشكلة، في الخطاب بصرف النظر عن النيّات المضمرة، هي التناقض بين رؤيتين لخارطة الطريق. الأولى يرى أصحابها ان التوصل الى تسوية سياسية فعلية ممر إلزامي للنجاح في محاربة الارهاب. والثانية يصرّ أصحابها على اعطاء الأولوية لمحاربة الارهاب قبل البحث في التسوية. لكن التفاهم على أي منهما صعب. والظاهر هو خداع النفس بالتحرك في وقت واحد على طريق التسوية وعلى طريق مكافحة الارهاب. والمؤكد هو اللاتسوية واللانجاح في القضاء على الارهاب.