لم تحمل “عاصفة الحزم”، والتغييرات في رأس السلطة السعودية، جواباً واضحاً عن سؤال أوضح: لماذا لم يتبلور موقف عربي في مواجهة المد الايراني في المنطقة منذ بداية تسلله، خصوصاً أن “دول مجلس التعاون الخليجي” كانت السباقة الى استشعار هذا الخطر، فدعمت صدام حسين في حربه الاستباقية على نظام الملالي لـ8 سنوات. ثم جاء الانشغال باحتلال الكويت، فتحريرها، ولم يلبث يوم 11 أيلول 2001، أن جر العالم خلف بوش الابن في الحرب على الارهاب، فانطلقت الآلة الحربية الاميركية ضد “طالبان”، ونظام صدام. وبينما كان العرب يدعمون واشنطن، كانت هذه تتعاون مع طهران استخبارياً، وتتغاضى عن تسللها الى مفاصل العراق الجديد (وسوريا ولبنان واليمن).
هل استند ذلك الى اطمئنان الرياض “التاريخي” الى “العهد” السعودي – الاميركي في 14 شباط 1945، بين الملك عبد العزيز، المؤسس، والرئيس الاميركي فرانكلين د. روزفلت؟
السؤال التالي، هو عما بعد “الحزم” في اليمن، خصوصاً أن العرب يواجهون ثلاثة أطماع في آن واحد: اسرائيل التي لم تخف سطوتها الاقليمية منذ احتلال فلسطين بقرار أممي فريد، وايران التي التحفت بعلم فلسطين وراية الاسلام لتواري اطماعا فارسية، ثم تركيا التي وجدت مصلحتها في ألا تترك الساحة العربية لنهش تل أبيب وطهران.
لا يمكن لوم أي من هذه القوى على طموحهاً لمد نفوذها، حتى لو وضع ذلك المنطقة في “حرب باردة” أدخل عليها “الربيع العربي” حرارة سورية دموية. لكن اللوم الاكبر سيستحقه العرب، أنظمة وشعوباً، ان لم ينتقل موقفهم من صد الهجمة، الى بلورة رؤية مستقبلية لأمن المنطقة ودورهم فيها، وتجديد الهوية العربية الجامعة، ليس بالخطاب السياسي، بل بالتكامل الاقتصادي والمصلحي. فلا يكفي انقاذ اليمن من الهيمنة الايرانية، من دون التحضير، ومن الآن، لاعادة بنائه، ورسم دوره، ولا يكون ذلك من دون اطار عربي جامع.
غفلة العرب عن التسلل الايراني تجد عزاءها في غفلة الأوروبيين عن تسلل بوتين الى اوكرانيا ليشعل أكبر أزمة أوروبية منذ نهاية الحرب الباردة قبل نحو 25 سنة..
تفاجأ الأوروبيون بمشروع بوتين يتبلور، بحركة انفصاليي أوكرانيا، واستنتج أحد قادتهم، أنجيلا ميركل، مطلع العام، أنّ العالم أمام حرب باردة مديدة بين نظامين ورؤيتين.
مثلهم تنبه الملك سلمان الى ما تغضنه هجمة المتمردين في اليمن من أخطار على العرب عموما، وعلى هوية المنطقة. الفارق أن أوروبا متحدة في المصالح والوجهة، والتخطيط، فيما العرب لم يمكّنوا هويتهم الواحدة ومصالحهم المشتركة، وتنقصهم الرؤية المستقبلية.
“عاصفة الحزم” العسكرية لا تكتمل بلا “عاصفة حزم” سياسية تمنح الهوية العربية ركائز مصلحية اقتصادية وقيمية، وحدها تفتح أبواب التقدم، خصوصاً اذا كانت المنطقة ستدخل مرحلة ما بعد الولايات المتحدة الأميركية.