Site icon IMLebanon

بعد انسداد أفق الحوار وتعطل الحكومة الشارع مسرح اختبار القوى

بعدما انسد الأفق أمام محاولات اعادة بعث الحياة الى مجلس الوزراء بانهيار عروض تسوية قضية الترقيات العسكرية وبعدما حوصرت باحكام آخر وأحدث محاولة يبذلها أحد أبرز رموز السلطة وأبرعها الرئيس نبيه بري المتمثلة بطاولة الحوار الوطني مما اذن بأنها آيلة الى تعطل عاجلاً أم آجلاً كان بديهياً ان تؤول الكلمة مجدداً الى الشارع ويستأنف الحراك الشعبي اندفاعته بهذا المستوى من العنف والشراسة الذي عاينّاه أمام مكاتب صحيفتنا عصر أول من أمس.

مشهد غير مألوف في مسار الحراك دار تحت نوافذ مكاتبنا في “النهار” تمثّل بهذا الاستشراس الذي ابداه الشبان المشاركون في الحراك لاجتياز الاسلاك الشائكة والحواجز الحديدية وتحدي الاجراءات والتصادم مع رجال الأمن المكلفين منعهم من الدخول الى ساحة النجمة حيث مقر مجلس النواب الموصدة أبوابه إلا أخيراً على حوار مستنسخ تحاصر نتائجه شكوك عدة سلفاً.

أمام هذا المشهد الذي استمر ساعات طوال وبالتحديد أمام عنف أفراد الحوار ورجال السلطة ثمة من ذهب الى استنتاج جوهره ان بعض المشاركين في الحراك الذين فاض بهم الحماس الى حد تحدي الاسلاك الشائكة باجسادهم العارية ساعون الى اشتباك يفضي الى سفك الدماء لينفتح افق مرحلة ديدنها العنف المفتوح.

واذا كان “تعقل” القيادات الامنية قد حال دون تحقيق هذه الرغبة المضمرة انفاذا على ما يبدو لتوجيهات سياسية عليا فان بعض السياسييين يعرب في مجالس خاصة عن خشيته بان يظل الامر “استحقاقاً مؤجلاً” قد يستدعيه في لحظة من اللحظات وغب مصلحة احد طرفي المواجهة او يسمحون بوقوع المحظور في قابل الأيام.

خشية البعض الجدية من ان تزف ساعة هكذا حالة لها في الواقع السياسي من الاسباب ما يجعلها فرضية قائمة ان على مستوى عجز السلطة ومكوناتها عن اجتراح الحلول والتسويات التي تشكل لها قنطرة عبور من حالة القصور والعجز الذي استحال مازقا كامل المواصفات وان على صعيد الحراك الذي وجد ضالته المنشودة في هذا العجز الذي لا يتحفظ عن الاقرار به حتى اركان السلطة أنفسهم فاستقى رواد هذا الحراك من هذا البئر فاستأنفوا بعنف ما بدأوا به خجولاً قبل نحو أربعة أشهر.

في مرحلة” الانتطار القسري” التي فرضت على جميع مكونات السلطة منذ ان خلت سدة الرئاسة الاولى تبين بالبرهان ان هذه المكونات قاصرة رغم اجتماعها تحت فيء حكومة واحدة عن ادارة المرحلة الانتظارية تلك لاعتبارات عدة أبرزها:

– ان هذه المرحلة طالت اكثر من المتوقع.

– ان ثمة من هذه المكونات من راودته خاطرة استباق التطورات وفرض أمر واقع استباقي استناداً الى تحولات اقليمية فاندفع في حراك سياسي مفتوح.

– ان هذا الواقع كان أكبر من قدرات الذين اعتادوا تدوير الزوايا وايجاد المخارج وهما الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط فابتكر الاول فكرة طاولة الحوار الوطني التي آلت بعد اجتماعات سبعة الى حائط مسدود. واجترح الثاني تسوية الترقيات ومشى فيها في محاولة لانقاذ الحكومة من الذهاب الى الغيبوبة فأطاحه بها تركيبة سياسية عجائبية في النظام البرلماني تتمثل في 3 وزراء يشكلون كتلة ليس لها أي نائب ولا تملك اي حيثية او حضور وازن ومؤثر في الشارع السياسي.

– تراجع تأثير الأكثرية النيابية وتيارها العريض لدرجة عجزها عن فرض حل في وقت معقول لمشكلة النفايات المتراكمة في الشوارع فاوكلت المهمة الى النائب جنبلاط عبر وزيره اكرم شهيب.

وبناء على هذه الوقائع خرج كل من تسنى له قراءة محاضر جلسات الحوار باستنتاج فحواه ان:

– كل الأطراف المشاركين بلا استثناء صاروا أسرى مواقفهم المعلنة. وأسرى عدم قدرتهم على المناورة وابداء المرونة المطلوبة في اي حوار سياسي او مسعى للخروج من المأزق.

فكانت المحصلة ان الجميع صار أمام الحائط المسدود لا بل يبدو فرحاً بما حققه ليس في إيجاد الحلول والمخارج، بل بوأد عروض التسويات في مهدها وتقديمه على انه انتصار.

وفي المقابل فإن الحراك الشعبي بقي في حال تحفز واستعداد خلافاً لما روجه البعض لا سيما وان هذا الحراك يعتقد بانه في جولاته وصولاته السابقة قبالة السلطة كسب الكثير من رهاناته. فلم يعد خافياً ان القيمين على الحراك وعقوله الموجهة استندوا من الاساس الى استناج ان السلطة بكل مكوناتها لن تكون قادرة على ايجاد العلاج السريع لمشكلة النفايات ورمالها المتحركة فكان اعتقادهم في محله. وراهنوا أيضاً على اقتناع حاضر في وجدان الشريحة الأوسع من الشعب وفحواه ان شعارات الحراك ودوافعه محقة وقد بلغهم ولا ريب ما قاله الرئيس بري امام بعض خواصه من انه: “لولا الطائفية لكان المشاركون في الحراك اخرجونا من منازلنا”.

لذلك سارع هؤلاء الى تجميع قواهم وتوحيد شعاراتهم ولو على الحد الادنى وبدأوا يعدون العدة لملاقاة الرائين بان السلطة صارت في مأزق وجودي بالتالي لن تنجح في تجميل صورتها والحل هو في قانون انتخاب جديد على اساس النسبية ليكون في خاتمة المطاف الشعار السياسي الاستراتيجي للمرحلة المقبلة. وهذا ان دل على شىء فانما يدل على ان السلطة ستظل تراوح في عجزها فيما الحراك استغل هذه الثغرة ليشحذ قواه ويستانف اندفاعته.

وبناء على هذه المعادلة الندية سيكون عنوان المرحلة المقبلة الى المواجهة في الشارع در وجديد الامر ان طرفي المواجهة محكومان باللجوء الى أعلى درجات العنف والشراسة لاسيما وان السلطة تشعر ان هناك تهديداً جدياً لها هذه المرة.