Site icon IMLebanon

بعد شارلي حداد… هل التحق جورج ديبة بـ«داعش»؟

المسيحيّون في طرابلس كجيرانهم المسلمين تحت تأثير الصدمة. فبعد إيلي الورّاق، شابّان مسيحيّان من حيّ الزاهرية المسيحي هجَرا بيئتهما والتحَقا بـ»داعش»، وبات مصيرهما مجهولاً، بين قائلٍ إنّ أحدهما فجَّر نفسَه في العراق، والآخر على الطريق، وبين من ينفي هذه المعلومات، مؤكّداً أنّهما أصبحا من مقاتلي «داعش» فقط. المفارَقة أنّ طرابلس كما الميناء، لا تضمّ أحياءً إسلامية أو مسيحية صافية، بمقدار ما يتعايش أهلها في نموذج اجتماعي فريد، فأتَت «داعش» لتنسفَ صيغة العيش الواحد المتراكم وتُحقّقَ ما عجزَت عنه حربٌ أهلية طاحنة. ليست القضية بأنّ شخصين من الطائفة المسيحية بدّلا دينَهما، ولمَن لا يعلم فإنّ من عادة أهل طرابلس تغيير المذهب لضرورة الزواج أو الطلاق أو نتيجة حالات خاصة، والمجتمع المحَلّي غالباً ما يتجاوز ذلك، إلّا أنّ الحرَج الذي سبَّبه شارلي حدّاد وجورج ديبة لذويهما يَكمن في أنّهما انطلقا إلى رحلة التطرّف والإرهاب في دولة «داعش» المزعومة في سوريا أو العراق.

«مستحيل»، «أمرٌ لا يصَدّق»… وغيرها من عبارات الذهول يسمعها العابر في الزاهرية عند السؤال عمّا حَدث وعن مصير الشابّين الآن، في ضوء المعلومات المتوافرة عن أنّهما غادرا طرابلس وسط خوف مُطّرِد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، وتجنيد «داعش» المزيدَ من الشبّان المسيحيين.

ففي الأمس خرج من الزاهرية إيلي الورّاق وانضمّ إلى «داعش» وكاد أن يُفجّر نفسَه، واليوم شارلي وجورج، وسط تضارب المعلومات عمّا إذا كانا فجَّرَا نفسيهما أم بعد، وكلاهما من عائلتين مسيحيتين لهما مكانتهما البارزة في المدينة.

شارلي حداد

شارلي سليمان حداد، حضرَ إلى مكتب مختار الزاهرية جورج عطية منذ أربعة أشهر لتجهيز أوراقه بهدف الاستحصال على جواز سفر؛ المختار عطية كعادته أنجَز الأوراق، ولكن لم يخطر في باله أنّ شارلي كان يستعِدّ للسفر إلى تركيا ودخول سوريا للالتحاق بتنظيم «داعش» إلى أن حضرَت الأجهزة الأمنية بعد فترةٍ للسؤال وجَمعِ المعطيات، وطلبَت التكتّم قدر الإمكان نظراً إلى حساسية الموضوع.

شارلي، إبن الـ24 عاماً، إختفى من عمله في شارع عزمي وسافر، وكانت وجهته العلنية تركيا، لكنّ الأنباء الواردة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية تفيد بأنّه توجَّه من سوريا إلى العراق، وربّما نفّذ عملية انتحارية هناك.

أفراد العائلة كتموا صدمتَهم كون شقيقَي شارلي في السلك العسكري، الأوّل دركي في قوى الأمن الداخلي والثاني تلميذ ضابط. شارلي من عائلة متواضعة، أصلُها سوريّ وشمَلها مرسوم التجنيس عام 1995، والملفِت أنّ عمَّه ميلاد لا يزال يحمِل الجنسية السورية حتى الآن.

عائلة يعمَل معظم أفرادها في ميدان البناء. الوالد سليمان معلّم أدوات صحّية، وأعمامُه معلّمو دهان وتلييس، أحوال العائلة المادّية متواضعة كمعظم عائلات طرابلس، ولكنّ ضيق الأحوال الاقتصادية دفعَها إلى تركِ الزاهرية والانتقال إلى الكورة للسَكن، فيما شقيقا شارلي دخَلا سلك الدولة، أمّا هو فعملَ لفترةٍ في أحد محالّ الألبسة في شارع عزمي.

لم تظهَر علامات تدلّ على تطرّف شارلي أو التحاقه بمجموعات متطرّفة في طرابلس، سوى تردّده الدائم إلى خان العسكر والأسواق الداخلية على مقربةٍ من حي أهلِه، وكان دائماً يُبرّر لعائلته غيابَه الطويل عن المنزل بانسجامه مع مجموعة من أصدقائه هناك.

العائلة حاليّاً تحت تأثير الصَدمة، ولا يقوى أفرادها على قولِ سوى كلمات قليلة من الوالد المفجوع، ليس لأنّ ولدها اعتنقَ الإسلام بمقدار سببِ التحاقِه بـ«داعش»؛ أحدُهم قال همساً: «فيما مضى لم يكن شارلي يواظب على حضور قدّاس الأحد أو أداء الواجبات الكنَسية كسائر أفراد العائلة؛ ولكن منذ شهور برَز عنده موقف سلبيّ من هذه الواجبات، كما ابتعدَ عن أهله تماماً ليعيش في شبه عزلةٍ عنهم قبل الاختفاء المفاجئ».

وجورج ديبة!

عائلة ديبة في الزاهرية ليسَت أفضلَ حالاً، فابنُها جورج (23 عاماً) اختفى منذ أيام قليلة، مع اختلاف الظروف ومن دون معلومات عنه سوى أنّه غادر إلى تركيا، لكنّ المعلومات تقول إنه مثل شارلي التحقَ بتنظيم «داعش».

ضِيق أحوالِ عائلة شارلي حداد لا ينطبق أبداً على جورج، الولد الوحيد لنبيه ديبة إلى جانب شقيقته الوحيدة. والدته كارول خلاط أمينة سرّ فرع الصليب الأحمر في طرابلس والناشطة الاجتماعية البارزة في طرابلس.

واظبَ جورج منذ طفولته على أداء واجباته الكنسية بما أنّه سليل عائلة عريقة من أبرز العائلات التي كرّسَت الحضور الأرثوذكسي في طرابلس. فلطالما تفاخرَ آل خلاط بمكانتهم الأرثوذكسية عبر وجود كرسي داخل الكنيسة لممثّل القيصر الروسي قديماً وغالباً ما كان يجلس عليها السفير الروسي في مناسباتهم قبل قيام الاتّحاد السوفياتي، نظراً لمكانة العائلة على المستوى المسيحي في لبنان والعالم.

درسَ الشاب الهادئ والخجول في مدرسة الليسه قبل أن ينتقل للدراسة الجامعية في فرنسا. أحد أصدقائه يصفه بالقول: «جورج إنسان خلوق للغاية، حتّى أنه كان من روّاد السَهر في حانات شارع «مينو» الشهير في الميناء. كان له صداقات كثيرة، وشعبيّته قويّة بين أصدقائه لخِصاله الحميدة. غادرَ للدراسة الجامعية في فرنسا، وفوجئ أصدقاؤه والقريبون عند قدومِه بقوله (الله هداني إلى الإسلام ولم أعُد أشرب الخمر أبداً)، ومن ثمّ اختفى نهائياً لاحقاً».

زيارته الأولى شكّلت مفاجأةً كبيرة لذويه ومعارفه، حيث أبلغَهم أنّه اعتنق الإسلام، وكان يؤدّي شعائر الصلاة، حتّى أنه مدَّ سجّادة الصلاة في المنزل. حاوَلت والدته ثنيَه عن ذلك وحَدّثته مطوّلاً عن تقارب الأديان والتعايش في طرابلس، فلم تفلِح.

جورج غادر إلى فرنسا ليعود في زيارة ثانية عند وفاة جدّه روفايل خلاط، حيث لاحظ كثيرون برودتَه في تقبّل التعازي، وهو لم يُقبّل أحداً. وعلى رغم تقديره البالغ لجَدّه وحزنه على موته إلّا أنّه كان شخصاً آخر لا يشبه الشاب المرِح الذي عرفوه.

أحد أفراد العائلة قال: «كنّا نلاحظ على والده آثارَ الضغوط النفسية، والحزن البالغ البادي على والدته خلال الفترة الماضية، فقد كتَما إشهارَ إسلام ولدهما لحرَجهما الكبير، على أنّ المصيبة الأعظم كانت عند شيوع خبر أنّ جورج أصبح يحمل صفة «داعشي» بعد اختفائه نهائياً تاركاً مأساةً عائلية عظيمة، وبَحراً من الأسئلة عن الأساليب التي نجحَت في غسل دماغه وسَلبِ إيمانه وإرادته بهذا الشكل».

فهل التحق جورج ديبة حقيقة بـ«داعش»؟ ومن التالي؟ وللحديث تتمة.