Site icon IMLebanon

بعد مقارنة بشّار بهتلر

لا يمكن الاستخفاف بالبيان الاميركي الذي يؤكد ان النظام السوري يمارس ما كان يمارسه النازيون. في البيان، الذي يشكّل تطورا أساسيا في موقف إدارة ترامب من النظام السوري ومن الرجل الذي يقف على رأسه، عبارة واضحة تؤكد ان ما يمارس في سجن صيدنايا هو محرقة «تذكّر» بما ارتكبه الالمان في عهد هتلر في القرن الماضي.

يبدو ان بشّار الأسد اخذ علما بذلك عندما قال في حديث الى محطة تلفزيونية بيلوروسية، وما ادراك ما بيلوروسيا، انّه ينوي «تحرير كل سوريا» وانّه لم تبق سوى نسبة عشرين في المئة من الأراضي السورية في يد «الإرهابيين». كان يردّ على ما يعتبره مسألة حياة او موت بالنسبة اليه بعد التغيير الجذري في الموقف الاميركي الذي لمسه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما زار واشنطن أخيرا.

قبل ان يتحدّث بشّار الأسد عن «تحرير سوريا» من السوريين، عبر حرق خمسين سجينا يوميا في صيدنايا، ليشرح ماذا يعني نقل سكان مقيمين في احياء معيّنة من دمشق الى ادلب وغير ادلب. وماذا

يعني الاتيان بمن يحلّ مكان هؤلاء في سياق عملية واضحة كلّ الوضوح تصبّ في تحقيق هدف محدّد. هذا الهدف هو تطويق دمشق وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها لمصلحة ايران الطامحة الى ان تكون لديها منطقة نفوذ في سوريا على غرار مناطق النفوذ الروسية والتركية والإسرائيلية والكردية.

ما هو مؤلم اكثر من ذلك انّ عملية تطويق دمشق بعد تدمير أجزاء من حلب وحمص وحماة، بصفة كونها مدنا سنّية كبيرة، لن يستطيع النظام اخضاعها يوما، تتمّ بموازاة تهجير سكّان الموصل العراقية. هناك آلاف من أبناء هذه المدينة صاروا خارجها وليس من يسأل عن مصيرهم. هناك كلام جميل لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن مساواة بين المواطنين العراقيين وعن دور للجيش العراقي. الحقيقة ان لا يمكن ان تكون هناك مساواة بين مواطن وآخر ما دام هناك ميليشيات تابعة لاحزاب مذهبية عراقية، تابعة بدورها لإيران، تنفّذ عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في مناطق معيّنة. هذه الميليشيات التي تعمل تحت عنوان «الحشد الشعبي» باتت تمثّل الدولة العراقية الجديدة التي وصل حكّامها الى السلطة على دبّابة أميركية قبل ان يتنكّروا للولايات المتحدة ويصفونها بأبشع الاوصاف. اكثر من ذلك، هذه الميليشيات تتحكّم حاليا بالقرار العراقي ويتباهى احد قادتها بقيام «البدر الشيعي».

هناك اذاً تحرير لسوريا من السوريين وهناك تحرير للعراق من قسم من أبناء شعبه، فيما يعمل الاكراد على الدفاع عن ما يعتبرونه مصالحهم المشروعة. هذا كلّ ما في الامر.

الجديد ان الولايات المتحدة بدأت تعي فعلا ما على المحكّ في الشرق الاوسط. لذلك، لم تتردد في تسمية الأشياء باسمائها ودعوة روسيا الى التوقف عن المشاركة مع ايران في إبادة الشعب السوري. كان لافتا ان البيان الاميركي الذي وزّعته البعثة لدى الامم المتحدة، أشار صراحة الى دور روسيا وايران في «خطف السوريين وتعذيبهم والقاء البراميل المتفجرة عليهم وممارسة عمليات القتل والتعذيب واستخدام السلاح الكيميائي». دعا روسيا الى التراجع عن مثل هذه الممارسات، لكنه لم يتطرق الى امكان إعادة ايران الى جادة الصواب.

لا يمنع الابتعاد عن نظرية المؤامرة التي لا يؤمن بها سوى السذّج، الاعتراف بانّ معالم ما بدأته إسرائيل قبل خمسين عاما، عندما احتلّت الجولان في العام 1967، صارت واضحة الآن. تريد إسرائيل، مثلها مثل بشّار، تحرير سوريا من السوريين والقضاء على كلّ مدينة عربية في سوريا والعراق. كان الحلم الدائم لإسرائيل تفتيت سوريا ومنع قيام جيش عراقي فعّال. عندما خرج الجيش العراقي من الحرب مع ايران بشبه انتصار، في العام 1988، ظهرت مخاوف إسرائيلية من امكان استخدام هذا الجيش ضدّها في يوم من الايّام. لكنّ صدّام حسين اراحها الى ابعد حدود عندما ارسل جيشه الى الكويت في مغامرة مجنونة ما زالت المنطقة كلّها تدفع ثمنها الى اليوم.

بعد خمسين عاما على هزيمة 1967، بدأت الصورة تكتمل على الصعيد الإقليمي. هناك رئيس لنظام في سوريا قتل نصف مليون من أبناء شعبه وهجّر نحو عشرة ملايين منهم ولا يزال يعتقد انّ في استطاعته حكم البلد. ما يقوله بشّار الأسد هذه الايّام جزء من السيناريو المرسوم للمنطقة والذي كانت بين فصوله عملية توريط الفلسطينيين في حرب على لبنان واللبنانيين ومؤسسات الدولة وقيام ميليشيات مسيحية وأخرى اسلامية. لم يكن النظام السوري بعيدا عن كلّ ما جرى في لبنان. كان المحرّك الاوّل للاحداث اللبنانية من تهجير اهل الدامور المسيحيين الى تدمير مخيّم تلّ الزعتر الفلسطيني. ليس صدفة انّه لعب دائما كلّ الأدوار المطلوبة منه في مراحل معيّنة، بما في ذلك الوقوف الى جانب ايران في حربها مع العراق، والطلب من معمّر القذافي تزويدها صواريخ تقصف بها المدن العراقية، وصولا الى إدخاله «الحرس الثوري» الايراني الى لبنان من اجل المتاجرة بالبلد وإبقاء جنوبه جرحا ينزف إرضاء لإسرائيل.

كلّما مرّ يوم توضّحت الصورة اكثر. لم يحدث شيء بالصدفة منذ تسليم الجولان ولم تستمرّ حال اللاحرب واللاسلم بين سوريا وإسرائيل وحصر التعامل بينهما عبر جنوب لبنان طوال نصف قرن من اجل لا شيء.

على الرغم من ذلك كلّه، لا يمكن الّا التوقف طويلا عند البيان الاميركي الذي قد يشكّل إشارة أولى الى ان انّه لم يعد من مكان لبشّار الأسد في سوريا ودعوة روسيا الى اخذ العلم بذلك.

يظلّ السؤال ما الخطوة المقبلة لادارة ترامب التي سبق لها ان ردّت على قصف اهل خان شيخون بالسلاح الكيميائي باطلاق تسعة وخمسين صاروخ «توماهوك» على قاعدة الشعيرات القريبة من حمص. كيف سترد على «المحرقة» اليومية التي يقف خلفها بشّار الأسد ونظامه بعد تزويد وزير الخارجية الروسي بكلّ الوثائق التي تثبت صحة ذلك؟