إذا كان لقاء عون – جعجع مهماً، حتى وإن كان يبدأ من الصفر، فان الأهم هو ألا يعود الى الصفر… واذا كان “اعلان النيات” مهماً فالأهم هو معرفة ماذا عن “النيات” غير المعلنة كي لا ينتهي كما انتهت “ورقة التفاهم” مع “حزب الله”، أو تكون النيات المعلنة أشبه بـ”النوايا” التي تتلى في الكنيسة وتنتهي بعبارة: “استجب يا رب”.
الواقع أن لا خلاف بين معظم القيادات في لبنان لا على “ورقة التفاهم” مع “حزب الله” ولا على ورقة “اعلان النيات” بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، إنما الخلاف هو على الأولويات، وأولويات الناس هي في الوقت الحاضر انتخاب رئيس للجمهورية لأن من دون انتخابه تصاب كل المؤسسات بالشلل وتبقى كل المشاريع المهمّة والحيويّة بما فيها “اعلان النيات” حبراً على ورق. فلبنان اليوم أشبه بالجائع الذي يأتون اليه باللباس وهو في حاجة الى الطعام، وعندما يكون عريان يأتون اليه بالطعام.
لذلك فلا وقت الآن للبحث في أي أمر سوى انتخاب رئيس للجمهورية، وبعد انتخابه تصبح أبواب البحث مفتوحة لكل موضوع بما في ذلك موضوع اتفاق الطائف، ودعم الجيش واعتماد سياسة خارجية مستقلة تضمن مصلحة لبنان، والتمسّك بحق الفلسطينيين بالعودة الى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حلّ الدولتين ومبادرة قمّة بيروت عام 2002، وضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية – السورية، وتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ الاتفاق عليها في طاولة الحوار الوطني، وإيجاد حلّ لمشكة النزوح السوري، وإقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية، واعتماد اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، هذه المواضيع المهمة وغيرها يحتاج تنفيذها الى عهد جديد يباشر درسها لاقرارها لا بل جعلها جزءاً من خطاب قسم الرئيس العتيد وجزءاً أيضاً من البيان الوزاري، وهو ما جعل اللبنانيين يتمنون لو أن لقاء عون – جعجع كان لاعلان الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية إن لم يكن بتسمية مرشح أو أكثر فبتأمين نصاب الجلسة وهو الأهم كي يتمّ تنصيب رئيس الجمهورية بقرار لبناني، ولا يظل تنصيبه بقرار خارجي، فالاكتفاء بـ”اعلان النيات” من دون اعلان مثل هذا الاتفاق تتويجاً لأهمية هذا اللقاء يجعل اللبنانيين يعيشون في قلق دائم على حاضرهم وعلى مستقبلهم لأن اللبنانيين بلا رئيس هم كالرعية بلا راع، أو كبيت صار اتفاق على لون أثاثه وظل الخلاف قائماً على شكل سقفه فيبقى غير صالح للسكن.
وفي معلومات مصادر ديبلوماسية أن إيران لا تريد انتخاب رئيس للجمهورية في الوقت الحاضر لأن انتخابه يسقط من يدها ورقة إحداث فراغ شامل، وهي تحتفظ بها لتكون ورقة ضغط ومساومة وابتزاز في مفاوضاتها الدولية والاقليمية. فانتخاب الرئيس لا يبقي الحكومة الحالية ورقة للتهديد باسقاطها ساعة تشاء إيران، لأن رئيس الجمهورية يستطيع عند وجوده اجراء استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة. واذا أصاب الشلل مجلس النواب لخلاف على ما هو ضروري من المشاريع وما هو غير ضروري، فان رئيس الجمهورية يستطيع أن يدعو الى اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون جديد يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، وحتى اجراؤها عند الضرورة على أساس القانون المعمول به حالياً. هذا ما يعطي الأهمية والأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، وإلا ظلّت أبواب لبنان مشرعة على خطر الفراغ الشامل، وهو ما تريده إيران التي تعدّ المسرح في لبنان لكل السيناريوات. فاذا صار اتفاق بينها وبين أميركا على حجم دورها في المنطقة وعلى مساحة نفوذها فيها جرت الانتخابات الرئاسية في لبنان وسار كل شيء بعد ذلك على ما يرام. أما اذا لم يتم التوصل الى هذا الاتفاق فان إيران تهيئ المسرح لسيناريو قد يكون شبيهاً بذاك الذي اعتمدته في اليمن على يد الحوثيين، فتوعز إلى الوزراء المحسوبين عليها بالاستقالة فتفتح باستقالتهم أبواب الفراغ الشامل التي تدخل منها الفوضى الى البلاد، وتجعل الحدود مع سوريا ومع اسرائيل مفتوحة لشتى الأخطار، ويجد تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” في ذلك أرضاً خصبة لقتال طويل الأمد. كما تجد اسرائيل الفرصة سانحة لتضرب ضربتها وتحقق أهدافها، ليس في لبنان فحسب، بل في سوريا أيضاً، وعندها يكون لبنان قد دخل في رسم خريطة جديدة له وللمنطقة.
لذلك فان أهمية لقاء عون – جعجع ليست بـ”اعلان نيات” فقط، وقد يكون للجمل نيّة وللجمّال نيّة… بل باعلان الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لأن بانتخابه تقطع الطريق على محاولي شلّ عمل المؤسسات بإحداث فراغ شامل.