Site icon IMLebanon

تعليق كل شيء لما بعد الانتخابات

 

فيما يستكشف صندوق النقد الدولي استعدادات المسؤولين اللبنانيين للمضي قدماً في التفاوض مع وفده على خطة التعافي الاقتصادي، لا يبدو أن كواليس القرار اللبناني المشرذم تسلك الموجة نفسها.

 

الوصفة المعروفة التي يطلبها المجتمع الدولي: الإصلاحات وفق خطة واضحة يتم التوافق عليها مع صندوق النقد، تفتح الباب على مفاتحة الدول المانحة بتقديم الدعم المالي. هذه الوصفة كانت صالحة قبل انفجار الأزمة المالية الاقتصادية. وبقيت صالحة بعد تفاقمها مراعاة لمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على رغم الخيبة من عرقلة تنفيذ خريطة الطريق التي اقترحها.

 

مع انشغال العالم بأزمة أوكرانيا، إلى درجة أخرجت دولاً مثل فنلندا عن حيادها، وألمانيا عن اقتصار تسليح جيشها على الأساسيات… والتي ستضاعف أكلاف سباق التسلّح، فإن استعدادات دول العالم لمساعدة لبنان مالياً أصبحت أمراً في غاية الصعوبة. تداعيات التغييرات على الصعيد العالمي جرّاء المواجهة بين روسيا وبين دول الغرب وبعض الدول الآسيوية الحليفة له، تشمل تراجع اقتصادات العالم وحاجته للإنفاق على التسلح ومعالجة مفاعيل عزل روسيا، لا سيّما إمدادات الغاز منها. وبعد انتهاء الحرب التي قد تطول كما تتوقع أكثر من عاصمة، سيبدأ الحديث عن إعادة إعمار أوكرانيا ومساعدة اقتصادها على النهوض…

 

فضلاً عن استمرار التنازع اللبناني حول بعض الإصلاحات الضرورية والعاجلة، والذي يؤخر اقتناع الصندوق بجدية لبنان في الإقدام عليها، مثل مسألة تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة، فإن السبب الآخر للتأخير بات انتظار الانتخابات النيابية في أيار المقبل. وبات شبه مؤكد حسب العديد من الأوساط أن إقرار موازنة العام الحالي سيتأجل إلى ما بعد الانتخابات، لأن أياً من النواب ليس مستعداً لمواجهة الناخبين بزيادة الرسوم والضرائب وإثقال كاهلهم برفع تكاليف حياتهم اليومية، التي يعجزون عن تأمينها.

 

كل شيء سيتأجل إلى ما بعد الانتخابات. قد يربح اللبنانيون زيادة طفيفة في التغذية بالكهرباء من الغاز المصري ومن الأردن، ساعتين أو ثلاثاً أو أكثر، إذا اقتنع البنك الدولي بتمويل العمليتين بعد تنفيذ مطلبه عبر الإقرار المبدئي لخطة الكهرباء كخريطة طريق للسياسة المعتمدة في القطاع.

 

ما لا يفصح عنه بعض السفراء والسياسيين أن لبنان سيبقى معلقاً في المرحلة المقبلة، على رغم استمرار المسؤولين في إغداق الوعود للبنانيين، وفي تكرار التزام إنهاء الخطط أمام الجهات الدولية. ولن يتمكن البلد من أن يجني أكثر من المساعدات الإنسانية على غرار المشاريع التي سينفذها الصندوق الفرنسي السعودي، والذي ساهمت فيه المملكة العربية السعودية بـ36 مليون دولار يقدمها مركز الملك سلمان للإغاثة. فالدول الغربية ستكون منشغلة بالإنفاق على المساعدات في أوكرانيا. وقد تأخذ الدول العربية قسطاً من حاجات لبنان الأولية عنها. وفي كل الأحوال كانت الدول الكبرى المعنية بلبنان اتّجهت قبل الحرب في أوكرانيا إلى تأجيل مشاريع النهوض بلبنان إلى ما بعد الانتخابات، النيابية والرئاسية أيضاً. فهي تريد معرفة من ستساعد ومن سيمسك مقاليد السلطة لتقرّر بعدها أي نوع من المساعدة ستقدم؟

 

حتى ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، طُرِح السؤال حول ما إذا كان من الأفضل تأجيل إنجازه إلى ما بعد انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، على رغم أن الوسيط الأميركي بدا متحمّساً لاغتنام لبنان الفرصة، لأن إسرائيل باتت مستعجلة أكثر من أي وقت، ولأنه لمس تجاوباً كبيراً من فريق الرئيس ميشال عون لإنهاء المفاوضات. لكن السؤال الذي يردّده بعض المتصلين بالخارج: هل تعطي واشنطن مكسب ترسيم الحدود البحرية لعون أم أن مصلحتها تركها للرئيس الجديد؟ لأن التفاوض ليس في يد الرئيس الحالي بل في يد «حزب الله» خلافاً لإعلان الحزب أكثر من مرة أنه لا يتدخل ويقف خلف الدولة. وهو ما عاكسه كلام رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد، حين قال الأحد: «سندفن غازنا في البحر» رافضاً التنازل عن الحقوق، ومنتقداً الموقف اللبناني بإدانة اجتياح روسيا لأوكرانيا.

 

على اللبنانيين الانتظار بضعة أشهر، وأن يترقبوا إذا كانت حرب أوكرانيا ستُعجِّل بإتمام الاتفاق على النووي في فيينا لأن واشنطن قد ترى مصلحتها في إغلاق هذا الملف، بحجة أن المواجهة مع موسكو أولوية تتطلب التفرغ لها، قياساً إلى الأزمة مع إيران، أم أن هذه الحاجة الأميركية دفعت بطهران إلى رفع سقف مطالبها برفع العقوبات، ليشمل الحرس الثوري الإيراني ولا تكتفي بإزالتها عن قطاع النفط وغيره، فيؤدي ذلك في المقابل إلى تشدد أميركي يؤخّر الاتفاق؟

 

فلأيّ من الخيارين انعكاس على لبنان في سلوك الحزب تشدداً أو ليونةً، وكذلك عند خصومه.