IMLebanon

«سيناريوات» ما بعد الانتخابات.. هل يقَع «الفراغ» الشامل؟

 

 

دخلت البلاد مدار الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في 15 أيار المقبل. فكُل المؤشرات والمعطيات المتوافرة حتى الساعة تؤكد حصولها في موعدها رغم الحديث عن وقائع وأحداث ذات طابع اقتصادي واجتماعي وأمني تؤدي إلى تأجيلها أو إلغائها يفرزها اتجاه المعركة القضائية ـ المصرفية إلى مرحلة أكثر سخونة.. فذلك يمكن أن يعكّر صفو الاستحقاق الانتخابي، لكنه لن يؤدي للإطاحة به لوجود إرادة خارجية لإجراء الانتخابات تلاقت مع خوف كافة الأطراف الداخلية مِن تحمّل مسؤولية تعطيلها.

 

وتتقاطع ترجيحات «الماكينات الانتخابية» لأكثر مع حزب سياسي مع استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز دراسات وأبحاث، حول عدم حصول مفاجآت في نتائج الانتخابات تؤدي الى تغيير في الخريطة النيابية والتوازنات السياسية، رغم المعطى المستجد المتعلق بخروج الرئيس سعد الحريري وتياره من الندوة النيابية للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف. لكن المعادلة النيابية والسياسية القائمة ستبقى بعد الانتخابات بحيث يحصد ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» وحلفاؤهما مع «التيار الوطني الحر» الأكثرية النيابية التي قد تقارب الثلثين مقابل حصول خصومهم على الثلث أو أقل بقليل، ما يعني التالي:

 

– الحفاظ على التوازن السياسي عند تأليف الحكومة.

– عجز أي طرف عن انتخاب رئيس للجمهورية بمفرده من دون توافق سياسي.

– غياب فرصة التغيير السياسي الذي حلم به اللبنانيون غداة «ثورة» 17 تشرين.

لكن السؤال الذي يُراود المعنيين بالوضع الداخلي ويتردد في الكواليس السياسية: ماذا بعد الانتخابات؟ كيف سيكون المشهد؟ وهل سيتمكن الأطراف من تأليف حكومة جديدة؟ وهل ينجح المجلس النيابي الجديد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكوين سلطة جديدة تحظى برضى الغرب ودول الخليج وتفتح البلاد أمام فرصة النهوض الاقتصادي ومعالجة الأزمات؟ أم أن البلد سيتجه الى الفراغ الشامل في المؤسسات وإلى مزيد من الفوضى العامة؟

لم يكن الهدف من استيلاد حكومة «معاً للإنقاذ» برئاسة نجيب ميقاتي بعد فراغ طويل، إنقاذ البلد حقاً، بحسب ما تشير مصادر سياسية واسعة الاطلاع، بل الهدف كان تبريد الساحة الداخلية وخفض التوتر وإمرار الوقت وإجراء الانتخابات النيابية وتأجيل الأزمة السياسية والانفجار الاجتماعي. لكن ما ان يؤدي ميقاتي قسطه الى العلى، حتى تتجدد الأزمة بكل قساوتها وأشكالها، فبعد انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي سيدهمنا استحقاق تكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة جديدة سترث كل الأزمات عن الحكومة الحالية وسيلقى على عاتقها اتخاذ قرارات كبرى وحاسمة في ملفات «حامية» وخلافية، عدا عن أنها سترِث صلاحيات رئيس الجمهورية إن وقع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى.

لهذه الأسباب لن يكون تأليف الحكومة بالأمر اليسير، والخوف أن يتعذر التكليف أو التأليف أو الاثنين معاً حتى موعد انتخابات رئاسة الجمهورية وهنا ستقع «الكارثة» الدستورية والسياسية وتتفرع الأزمة الى «سيناريوات» عدة خصوصا في حال تعذر انتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون:

– أن تحصل الانتخابات النيابية وتشكل حكومة جديدة ويتعذر انتخاب رئيس للجمهورية وترث الحكومة صلاحيات الرئيس في تكرار لمرحلة حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية، ويبقى البلد معلقاً في انتظار تسوية سياسية على غرار تسوية «الدوحة» التي أتت بميشال سليمان رئيساً للجمهورية أو التسوية التي أوصلت عون الى قصر بعبدا، والحريري الى القصر الحكومي.

– تكليف رئيس للحكومة من دون تأليف مع حكومة تصريف أعمال وفراغ في رئاسة الجمهورية، وفي هذه الحال ستبرز عقدة دستورية تتمثل بنقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة تصريف أعمال وليست أصيلة، ما قد يدفع فريق رئيس الجمهورية الى رفض تسليم صلاحيات الرئيس الى «حكومة التصريف» وندخل في فراغ ثنائي حكومي ورئاسي طويل الأمد.

– الخوف الأكبر يكمن بعدم حصول الانتخابات النيابية لخلل أمني ما، ويتعذر التمديد للمجلس النيابي بسبب رفض قوى عدة لذلك كتيار «المستقبل»، ونصبح أمام السيناريو التالي: مجلس نيابي منتهي الولاية والصلاحية مع حكومة تصريف أعمال، ويكتمل مشهد الفراغ بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية وتعذر انتخاب بديل لعدم وجود مجلس أصيل أو بسبب غياب التوافق السياسي، ما سيؤدي الى أزمة إعادة تكوين السلطة.

المطلعون على الوضع السياسي الداخلي والإقليمي يرجحون فرضية حصول الانتخابات، مع تعذر تأليف حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد، بسبب الخلاف السياسي الداخلي الحاد وغياب الظروف السياسية الخارجية لتسهيل وتغطية أي تسوية محلية، في انتظار أن تفضي مسارات المفاوضات الإقليمية ـ الدولية الى حلول أو نصف حلول تبلور موقع لبنان في المشهد الدولي ـ الإقليمي المقبل.

– المسار الأول: الحوار السعودي – الإيراني في موازاة الانفتاح العربي على سوريا من بوابة دولة الامارات التي زارها الرئيس بشار الأسد منذ أيام.

– الثاني، المفاوضات السعودية ـ اليمنية لإيجاد تسوية سياسية للحرب العسكرية.

– الثالث، مسار المفاوضات الأميركية الغربية ـ الإيرانية حول الملف النووي الإيراني واحتمال توقيع اتفاق في وقت قريب.

– الرابع، الحرب الأميركية الأوروبية ـ الروسية على الأرض الأوكرانية.

– الخامس، ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اتجاه نحو التصعيد بهذا الملف بعد بيان الاجتماع الرئاسي في بعبدا الذي رفض ضمناً «اقتراح» الوسيط الأميركي وشدد على حقوق لبنان والعودة الى المفاوضات غير المباشرة في الناقورة.

إزاء هذا الواقع لن يستقر لبنان سياسياً واقتصادياً قبل تبلور هذه المسارات التي تنعكس عليه مباشرة، خصوصا أن حصيلة هذه المفاوضات على هذه الخطوط سترسم النفوذ السياسي والاقتصادي والنفطي للقوى العالمية والإقليمية الكبرى وبالتالي موقع لبنان في هذه المعادلات والتوازنات الجديدة، ما قد يدفع البلاد الى فوضى عارمة تُفضي الى مؤتمر تأسيسي قد ينتج شكلا جديداً من النظام السياسي لا زالت ملامحه ضبابية.