Site icon IMLebanon

اللغم الذي سينفجر بعد 15 أيار!

 

 

الجميع يفكِّر في الانتخابات والخريطة السياسية التي ستفرزها. ولكن، مَن يفكِّر في الكارثة المالية والنقدية الآتية بعد الانتخابات، ونتائجها الاجتماعية؟ قلائل يدركون أنّ لبنان موضوعٌ على قنبلة موقوتة تقترب كل يوم من الساعة الصفر، وموعد الانفجار سيكون 15 أيار.

أياً كانت الظروف، لا يريد النافذون من أهل السلطة أن يُضعف الاحتقان الاجتماعي من شعبيتهم في الانتخابات، وينعكس تراجعاً تستغله أحزاب المعارضة ورافعو شعارات المجتمع المدني وثورة 17 تشرين لتحسين حظوظهم. ولذلك، سخَّر هؤلاء النافذون كل ما يمتلكون من رصيد وأدوات سلطوية، لتهدئة اللعبة الاقتصادية – الاجتماعية.

 

عندما لامس الدولار سقف الـ35 ألف ليرة، بدأ البلد يدخل في انعدام التوازن الكامل. وتوقّع غالبية الخبراء في شؤون المال والنقد أن يكون سعر الدولار قد بدأ يفقد كل الضوابط، ما ينقل لبنان من وضعية التأزم إلى الارتطام الكبير.

 

هل كان هذا الصعود الصاروخي للدولار مجرَّد حتميَّة تقنية، في بلدٍ مفلس ومشلول اقتصادياً، أو إنّ هناك جهات سياسية أرادت استثمار عنصر انهيار الليرة لتنفيذ مآرب سياسية؟ ومَن هي الجهات التي يمكن أن تلجأ إلى هذا الخيار، في لحظة التحضير للانتخابات؟

 

هل إنّ قوى المعارضة أرادت تحضير أرضية احتقان اجتماعي تستفيد منها في الانتخابات، أو هي قوى السلطة التي فكَّرت أحياناً في استخدام عنصر العجز المالي والإداري لتطيير الانتخابات، قبل أن تتأكّد من النتائج وتحسم القرار بإجرائها؟

 

قرَّرت السلطة انتزاع ورقة الانهيار المالي والاحتقان الاجتماعي من أيدي الخصوم، بأي ثمن. ولذلك، هناك ما يشبه الهدنة المالية – النقدية منذ بداية العام الجاري، ومخطَّط لها أن تستمرّ حتى استنفاد أهدافها، أي إمرار الانتخابات. وعُدّة الشغل هي الآتية:

 

1- استخدام احتياط مصرف لبنان من العملات الصعبة في المعركة، بالتدخُّل يومياً في سوق القطع، ولو أدّى ذلك إلى خسارة ما بقي من أموال المودعين. وقد نجح هذا الأمر في خفض سعر الدولار في السوق السوداء من عتبة الـ35 ألفاً إلى ما دون الـ20، قبل أن يعود السعر ليرتفع قليلاً في الأيام الأخيرة. لكن الثمن هو تراجع احتياط المصرف المركزي إلى 10 مليارات دولار.

 

2- تمَّ تجميد الموازنة المريعة التي كان يجري تحضيرها، وهي تلتهب بأسعار رسوم يستحيل على الناس تحمُّلها. وتمّ كذلك تأجيل رفع أسعار الاتصالات والكهرباء، وتهدئة سوق المحروقات لئلا يؤدي ذلك إلى تفاقم المأزق في أسعار السلع والخدمات، ومنها النقل. لكن صندوق النقد الدولي يطالب الحكومة بموازنة إصلاحية، ولن يوافق على برنامج تمويل لحكومة لا تلتزم في مصاريفها موازنة عامة محدَّدة.

 

3- تقوم ماكينات السلطة بضخّ معلومات متفائلة، في شكل متعمَّد، مفادها أنّ الأزمة المالية والنقدية ستنتهي بأضرار «مقبولة»، وأنّ المودعين بغالبيتهم سيحصلون على ودائعهم بطريقة ما، وأنّ المساعدات من الصندوق باتت وشيكة، وأنّ الخليجيين العرب باتوا أكثر تفهّماً للبنان وسيرفعون الحظر عنه.

 

4- فوق كل ذلك، وهذا هو الأهم، هناك المال الانتخابي الذي يُضَخُّ إلى هذا الطرف أو ذاك من قوى خارجية إلى قوى داخلية ترتبط بها، ويجري توزيعه. وهذا المال يساهم اليوم في إراحة بعض الشرائح بدرجة معينة. وهذا التدفق للدولار يدعم سعر صرف الليرة من جهة، كما يخفّف من درجة الاحتقان الاجتماعي لفترة معينة.

 

كل هذه الخطة سينتهي مفعولها في 15 أيار، لأنّ أصحابها لا يريدون منها إلّا تمرير الانتخابات. وعلى الأرجح، سيتوقف دعم سعر صرف الليرة، وأساساً لا يستطيع المركزي أن يستمر في هذه المهمَّة إلى ما لا نهاية.

 

ويُتوقّع أن تجرؤ السلطة وتنفّذ «التهديدات» بمضاعفة أسعار الاتصالات والكهرباء وسوى ذلك من الخدمات، وقد تصبح أسعار البنزين والمازوت والغاز بالعملة الصعبة أو ما يعادلها بالليرة، كما هو سعرها الفعلي في السوق السوداء. وهذا سيعني ارتفاعاً هائلاً في أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية أيضاً.

 

ومع عودة الدولار إلى مسار الارتفاع، ستتفاقم أزمة السحوبات من المصارف بالليرة وبالدولار، سواء تمّ إقرار «الكابيتال كونترول» أو لا. وستدخل تعقيدات جديدة على الوضع المصرفي، في ظل الملفات القضائية المفتوحة أو التي سيتمّ فتحها، في لبنان أو الخارج.

 

هذه الصورة توضح أنّ لبنان يعيش اليوم على لغمٍ مربوط بساعة موقوتة على لحظة 15 أيار. وما يقوم به ذوو السلطة هو سلسلة تدابير مفتعلة ولا أساس علمياً لها، إذ يتمّ تأجيل للاستحقاقات لا أكثر، وخصوصاً رفع أسعار السلع الأساسية والخدمات العامة. وما أن تمرَّ الـ40 يوماً المتبقية لبلوغ هذا التاريخ حتى يدخل البلد إلى الارتطام الكبير.

 

وسيتجرّأ المسؤولون، بعد اطمئنانهم إلى الانتصار في الانتخابات والإمساك بالسلطة مجدّداً لـ4 سنوات مقبلة، وسينفضون أيديهم من الخطط الحالية، وينفّذون «تهديداتهم» برفع أسعار الخدمات، بدءاً بالاتصالات والكهرباء. ولن يتردّدوا في إطلاق أيديهم في زيادة الضرائب والرسوم بأشكال مباشرة وغير مباشرة.

 

وسيكون هؤلاء مرتاحين إلى أنّ ما يقومون به لن يقود إلى انفجار ثورة شعبية أو انتفاضة أو أي حراك آخر، بعدما جرى إحباط المحاولات في شوارع 17 تشرين الأول 2019، وفي صناديق 15 أيار 2022. وهنا يظهر كم كانت عظيمةً خطيئةُ سقوط «الثورة» أو «الانتفاضة»… أو إسقاطها على مستقبل البلد والدولة.