كأنّ البلد يحتاج إلى أحداث دراميّة تزيد طينته بلّة، وأحداثه دراميّة أو سخونة أو رعونة أو عبثاً أو هذه كلّها مجتمعة، كأنّ الدّراما اللبنانيّة كان ينقصها جثث تطفو على الشّاطىء الغاضب من غرق مركب طرابلسي مخالفٍ لكلّ المعادلات الإنسانيّة لشعبٍ يلقي من دون عقل وضمير ومسؤوليّة بنفسه وأطفاله في التّهلكة ثمّ يلقي بعبء موته على ضمائر الآخرين، أو كأنّ السّخونة الأمنيّة ينقصها تسلّل صاروخين عبر الفضاء اللبناني لاستدراج قذائف وصواريخ العدوّ الإسرائيلي، ولا يصنع صفع وزير الطّاقة وليد فياض ثورة ولا يجعل من يعتدون عليه “ثوّاراً ولا يرفع ساعات التغذية بالتيّار الكهربائي ولا يُحسّن شروط عدم الغرق في العتمة اللبنانيّة الموصوفة، وهكذا.. في هذا الوقت المزري من تاريخ لبنان وأزماته الكثيرة لم يجد اللبنانيون حتى الآن من يأخذهم على محمل الجدّ أو يحترم عقولهم ويصارحهم بعيداً عن العناوين العامّة الواهية لزوم المواسم الانتخابيّة التي لا تزيد الأمور إلا غموضاً!
أيّام قليلة تفصلنا عن 15 أيّار موعد إجراء الانتخابات النيابيّة المقبلة ومع هذا هناك ما يستدعي القلق مع تردّد وتكرار مخاوف الحديث عن اضطرابات أمنيّة تطيح بموعدها ومع هذا يبدو طرح السؤال ملحّاً، لبنان.. إلى أين، إلى الانتخابات، وبعدها إلى أين؟ نحن في بلدٌ غارق على جميع مستوياته في وقت الأفق اللبناني فيه مسدود ودول العالم التي لا تفهم اللعبة اللبنانيّة الإنتخابيّة تعقد الأمل على التغيير الانتخابي والاتّفاق مع البنك الدوليّ والانخراط في عناوين الإصلاح ومن المؤسف أنّ الطبقة السياسيّة الحاكمة من الصّعب إن لم يكن من الاستحالة أن تغادر السلطة لأنّها هي نفسها التي تصمّم وتفصّل قوانين الانتخاب على قياسها، وقبل المعركة الانتخابيّة التقليديّة ويومها المنتظر اللبنانيون قبل كلّ الدّول وسفرائها يدركون جيّداً أنّه لن يكون بمقدورهم إحداث أيّ تغيير بوجود فريق يمتلك السلاح ويسيطر على القرار وأعلن أنّ لديه مئة ألف مقاتل ويمتلك تمويل دولة تمدّه به وتمكّنت بواسطته من احتلال لبنان وإضعاف كلّ مؤسسات دولته وتدمير إقتصاده وفجّرت مرفأه ورفعت وتيرة الهجرة بين أبناء شعبه حتّى بلغ إحساسهم بالعجز والخيبة إلى حدّ التيقّن أنّ الأمل مقطوع نهائياً من إمكانيّة إحداث أي تغيير عن طريق إجراء انتخابات نيابيّة تحت وطأة سلاح يسيطر على مساحة واسعة جداً من الأرض اللبنانيّة، ونتائج هذه الانتخابات هي الشوط النّهائي قبل الاستسلام لليأس النهائي!
الانتخابات ونتائجها إيذان بمعركة لبنان الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهوريّة بعدما نجح حزب الله في فرض مرشّحه على رأس البلاد فوصلنا إلى ما وصلنا إليه ومن الصّعب أن يرخي قبضته عن الموقع المسيحي الأوّل هذا إن لم يكن يخطّط للسيطرة على الموقعيْن المارونيّين اللذين يأتيان مع رئيس الجمهوريّة ويذهبان بذهابه، أخوف ما نخاف أن يكون لبنان ذاهبا باتجاه الفوضى والفراغ السياسي أو الاضطراب الأمني لتعبئة الفراغ السياسي، في وقت يشي فيه الانهيار وإعادة فرز الطبقة السياسيّة نفسها أو تمكين حزب الله من المؤسسة التشريعيّة بنُذُر حرب تلوح في الأفق اللبناني تصبح حاجة لإعادة خلط الأوراق، مع أنّنا نميل إلى الاعتقاد أنّ رئيس الجمهورية الثالث عشر قد يكون الرئيس الأخير في تاريخ لبنان وجمهوريّة الطائف!