لم يكن للقاء الخمسين دقيقة بين رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون ورئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجيه أن يغير الكثير في ثوابت الجنرال ومسلماته، خصوصا أن ما تعارف على تسميته بالتسوية الرئاسية لا يعدو كونه مبادرة أطلقها رئيس “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري، لم تكتمل مواصفاتها لتحظى بصفة التسوية.
كثيرة هي الضمانات التي يحتاج رئيس “تيار المردة” إلى تقديمها للحلفاء كما الخصوم من أجل تعبيد طريقه إلى قصر بعبدا.
لا يكفي الرجل، كما بينت مرحلة التسويق للتسوية الرئاسية، أن يحظى بتأييد الرئيس سعد الحريري ليقسم اليمين الرئاسية. فالطريق المحفوفة بالالغام جعلت المسافة إلى بعبدا أطول، خصوصا أنها جاءت من الحلفاء قبل الخصوم.
لم يُسقط عون حق فرنجية في الترشح، ولكن معادلة الترشح أصبحت أصعب وأقسى، لأنها رفعت سقف أي تسوية رئاسية إلى الحد الاقصى: يبقى عون مرشحاً أول لتحالف 8 آذار ويصبح فرنجيه مرشحاً بديلاً لن يقبل هذا التحالف بأقل منه كما تقول مصادره.
لم يكن لدى فرنجيه الكثير ليقدمه الى عون ثمناً لتنازله عن ترشحه. فالسلة التي تم البحث فيها بينه وبين الحريري لا تلحظ ما يهمّ الجنرال. وما رشح عنها بحسب ما تتداوله أوساط 8 آذار، تضمن تفاهما على إسناد وزارة الطاقة للوزير السابق القريب من فرنجيه بسام يمين، فيما تردد ان السلة تناولت أيضا مسألة رفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة، اما قانون الانتخاب فبدا انه تم التفاهم عليه على أن يُترك إلى ما بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي، وان يتم اللجوء الى قانون الستين القائم بسبب تعذر التفاهم على قانون جديد.
ولكن ماذا عن الاثمان المرتفعة التي يطلبها عون للتنازل لفرنجيه؟ وهل تكفي ضمانات فرنجيه لتحقيقها في ظل العقد الكثيرة التي ستبرز في وجه ما تبقى من سلة التسوية، إن على صعيد قانون الانتخاب الذي يتمسك عون بأن يكون على قاعدة النسبية أو على صعيد توزيع الحقائب السيادية في الحكومة والتعيينات العسكرية التي لم يُطوَ ملفها بعد في الرابية؟
تستبعد المصادر المشار إليها أن ينجح فرنجيه في تأمين هذه الضمانات من جهة، كما تستبعد أن يرضخ عون لأي إغراءات، أيا يكن نوعها، على حساب تنازله عن ترشيحه. وتجزم بأن عون مستمر في ترشحه حتى النهاية، ولن يخرج عنه “إلا شهيدا”، كما يقول النائب السابق لرئيس المجلس إيلي الفرزلي. وتعزو المصادر انطباعها هذا إلى جملة عوامل ومعطيات تركن إلى التحالف الثابت بين “حزب الله” وعون، مشيرة الى ان الحزب لا يجازف إطلاقا بخسارة حليفه المسيحي القادر على إعادة إنتاج الدور المسيحي الذي يؤمن الشراكة الكاملة.
وهذا ما يجعل عون في موقع المطمئن إلى ثبات تحالفه مع الحزب، ويدفعه إلى التشدد أكثر في موقفه.
وعليه، تكون المبادرة قد استنفدت دورها لتعيد الملف الرئاسي إلى المربع الاول، مع فارق بسيط وإنما جوهري ينحصر في 3 نقاط رئيسية ستحكم المرحلة المقبلة:
– اعتراف “تيار المستقبل” بأن رئاسة الجمهورية ستكون لمرشح من 8 آذار، وسقوط مبدأ رفض رئيس ذي صبغة سورية أو إيرانية، بعد تبني رئيس هذا التيار ترشيح فرنجيه.
– سقوط طرح الرئيس التوافقي أو التسووي بعدما رفع الحريري سقف مواصفات الرئيس العتيد بتأييده فرنجيه الذي تنطبق عليه مواصفات الرئيس القريب من سوريا أو إيران.
– ارتدادات سلبية قاسية ستحكم المشهد السياسي على الساحة الداخلية، مع ترحيل ملف الاستحقاق الرئاسي الى مرحلة غير محددة بعد، من دون سحب ترشيح فرنجيه، الامر الذي سيؤثر على الاداء السياسي ويبدل في الاصطفافات والتحالفات القائمة تمهيدا لإعادة رسم الخريطة السياسية من جديد.