في الرابع من شباط الجاري، تضمّن “الموقف هذا النهار” معلومات لمتابعين جديين في واشنطن عن اجتماع عُقِد في وزارة الخارجية الأميركية الشهر الماضي بين مسؤول فيها، وممثلين لجمعيات اسلامية أميركية كانت من بينهم ثلاث شخصيات معروفة بانتمائها الى “الاخوان المسلمين”. وفي حينه، غضبت الحكومة المصرية واستدعت وزارة الخارجية فيها السفير الأميركي في القاهرة وسلّمته مذكرة احتجاج رسمية، وأوضحت له أن ممثلي “الاخوان” في الاجتماع متورطون مباشرة مع جمعيتين اسلاميتين في الاعداد لانقلاب على الحكم الجديد في مصر هما: “الحكومة المصرية في المنفى” و”المجلس الثوري المصري”. واعتبر كثيرون أن القضية انتهت عند هذا الحد وأن لا ضرورة لتضخيم اجتماع الاخوان – الخارجية في واشنطن.
لكن ما حصل في الرابع من شباط الجاري في البيت الأبيض أعاد التخوُّف الى الحكم في مصر. اذ استقبل بن رود (Ben Rodes) نائب مستشار الرئيس أوباما لشؤون الأمن القومي وفداً مصرياً ضمّ رؤساء ثلاث منظمات معروفة بكونها واجهة لـ”الاخوان المسلمين”. وقد أكد عضو الوفد الاسلامي (“الاخواني”) الذي زار الخارجية الشهر الماضي أن مسؤولاً مباشراً من البيت الأبيض شارك في الاجتماع الأول بوصفه ممثلاً للرئيس الأميركي. وبعد سلسلة من أخبار النفي لحصول الاجتماعين اضطرّ البيت الأبيض، على حد تأكيد المتابعين أنفسهم، الى الاعتراف بالتقاء أوباما في أثناء الاجتماع الثاني (4 شباط) الوفد المسلم الأميركي الذي ضم وجوهاً “اخوانية” ثلاثة هي: أزهر عزيز رئيس الجمعية الاسلامية في شمال أميركا (ISNA)، وهدى الشيشاوي من المجلس المسلم للشؤون الخارجية (MPAC)، وامام محمد مجيد من جمعية مسلمي دالاس (ADAMS). وتبيّن أن مساعديْن لأوباما هما بن رود وفاليري جاريت كانا معه في الاجتماع. كما أشارت في حينه مصادر قريبة من البيت الأبيض الى أن جاريت هي التي أعدّت للاجتماع.
كيف كانت العلاقة بين الجمعيات الاسلامية المذكورة أعلاه والسلطات في الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد ارهاب 11 أيلول 2001 الذي نفّذه ضدها تنظيم “القاعدة”؟
تشير المعلومات المتوافرة عند المتابعين الجدّيين في واشنطن أنفسهم الى أن السلطات الفيديرالية الأميركية دهمت عام 2001 “جمعية مسلمي دالاس” في اطار ما سمّته “عملية التحقيق الأخضر”، وكان هدفها تجفيف المنابع المالية لكل المنظمات المتهمة بممارسة الارهاب أو مساندته أو تمويله. كما استهدفت عدداً من الجمعيات الاسلامية التي كانت متهمة بكونها واجهة لـ”الاخوان المسلمين”، أبرزها ربما “المؤسسة الدولية للفكر الاسلامي” (IIIT). وتشير أيضاً الى أن وزارة العدل الأميركية أدرجت عام 2007 “الجمعية الاسلامية لشمال أميركا” (ISNA) على لائحة المشتبه باشتراكهم في “التآمر” مع “مؤسسة الأرض المقدَّسة” كونها كانت جزءاً من “الاخوان المسلمين” أو لا تزال جزءاً منهم. ورغم أن قاضياً فيديرالياً أبطل أو الغى بعد ذلك نتائج التحقيقات القضائية التي دفعت الى الاشتباه بالمؤسسة المذكورة، فإنّه “حَكَمَ” بكونها على علاقة بحركة “حماس” الفلسطينية أو جزءاً منها مستنداً الى أدلة جدّية كثيرة.
ما هي دوافع عودة الولايات المتحدة الى الاقدام على خطوات تمهِّد ربما لاعادة تأهيل “الاخوان المسلمين”، بحيث يعودون الى الساحة السياسية في الدول العربية والاسلامية التي لهم فيها وجود بارز ومهم ومنها مصر؟.
قد يكون الدافع نفسه الذي برَّرت به واشنطن حوارها مع “الاخوان” أيام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وفي أثناء ثورة يناير 2011، ثم تأييدها أو بالأحرى عدم اعتراضها على وصولهم الى السلطة في مصر. وهو انتشار التيارات الاسلامية المتطرفة حتى العنف والتكفير في العالمين العربي والاسلامي مثل النار في الهشيم، والحاجة الماسة الى فريق “اسلامي معتدل” بدا في حينه أنه “الاخوان” لمواجهتها بالتعاون مع الأنظمة العربية التي لم يبلغها ما سمّي “الربيع العربي”. وقد شجّع أميركا على الاقتناع بالمبرر هذا تركيا الاسلامية ذات الخلفية “الاخوانية”. لكن: لماذا تكرِّر أميركا تجربة فشلت؟ وهل كان فشلها طبيعياً وحقيقياً أو استُغِلّ لتحقيق غايات وأهداف؟ وماذا تفعل الدول التي عَادَتْ “الاخوان” مثل مصر والمملكة العربية السعودية حيال الانعطافة الأميركية الجديدة نحو “الاخوان” إذا حصلت؟