يرى سياسيون أن البلاد دخلت في أجندة ما بعد جلسة 2 آذار للإنتخابات الرئاسية، والتي اختصرت «همروجتها» بفولكلور نيابي تمثل بحضور 72 نائباً تعويضاً عن آمال لم تتحقق في الجلسة نفسها والتي اعتقد البعض، وفق الأجندة التي شهدتها الأسابيع الثلاثة الماضية انه يمكن أخذ البلاد الى الحسم الرئاسي بناء على سيناريوهات أو عوامل ضغط أو رافعات تم استخدامها بقوة وفشلت في تقديم البضاعة المطلوبة، وكان أن استعيض عن هذا الأمر بـ»تكريم نيابي» للرئيس سعد الحريري تمثل بحضور 72 نائباً تحت قبة البرلمان.
لكن رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية خيّب بعدم حضوره الجلسة آمال الحاضرين، يُقال في الأساس، ويقال أيضاً قبل نصف الساعة الأخيرة من موعدها، ولكنه استعاض عن حضوره الجلسة بـ«مطوّلة شعرية» سياسية ألقاها على باب النائب السابق فريد هيكل الخازن في عمق كسروان العوني ومن بوابة العائلات ضد بوابة الأحزاب مسيحياً.
واللافت أن فرنجية ختم مطولته هذه بإعتبار ان المستقبل له وللحريري، إذ قال ما حرفيته: «إن التباين والخلاف اليوم في البلد حاد جداً، يا ليت بإستطاعتنا العودة الى عهد الرئيس (الراحل سليمان) فرنجية، وتنتهي الأمور وتكون المنافسة ديموقراطية، هذا طموحنا وهدفنا، ولكن المنطقة اليوم أمام سايكس بيكو جديد، ويتم الحديث عن توزيع ديموغرافي وجغرافي ومنطقة جديدة وصورة منطقة جديدة، لا يمكننا النزول الى الجلسة وإنتخاب شخص هكذا، إن الأمور في حاجة الى تفاهم أعمق وأكبر «وطولة بال».
سأقول أمراً، إن المستقبل للرئيس الحريري ولنا ولنوعية أشخاص «أوادم» في البلد. والبلد ذاهب في هذا الإتجاه، إنما يجب عدم حرق المراحل».
وقد اعتبر بعض السياسيين كلام فرنجية هذا بمثابة «غزل سياسي» تعويضاً عن عدم حضوره جلسة الإنتخابات الرئاسية.
ولكن على أثر انتهاء مفاعيل الجلسة الإنتخابية الرئاسية ذات الرقم 36 التي لم تنعقد لعدم اكتمال نصابها، والتي اضمحلت، دخلت البلاد في ثلاث دوامات سريعة تلخصت بتداعيات قرار دول مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله «منظمة إرهابية» الذي اختفى سريعاً امام قرار مشابه أتخذه مؤتمر وزراء الداخلية العرب تواً وإعتراض وزير الداخلية نهاد المشنوق عليه الذي شكل في رأي البعض موقفاً مهماً انطوى على «تبرئة بمفعول رجعي» لموقف وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماعين الاخيرين لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، ووزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي في جدة، حيث لم يختلف موقفا المشنوق وباسيل بعضهما عن بعض ودلّا الى ان أولوية الوحدة الوطنية اللبنانية تفرض نفسها على الجميع، حتى على تيار «المستقبل» في لحظة حساسة كالتي تعيشها البلاد حالياً.
على ان مفاعيل اللقاء الأخير في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري بدت هي الأقوى على رغم ان التصعيد في الموقف السعودي منذ القرار بوقف هبة الأربعة مليارات من الدولارات للجيش والقوى الامنية اللبنانية يدفع حلفاء المملكة العربية السعودية للاسراع الى الالتحاق بركبه ومجاراة الوضع الجديد الناشىء، ولكنهم هؤلاء يفشلون الى حد كبير في ذلك.
كذلك، وبعد جلسة 2 آذار، دخلت البلاد مجدداً في تفاعلات ملف ازمة النفايات الذي ربط رئيس الحكومة تمام سلام مصير حكومته بمعالجته، ما طرح السؤال هل ان هذا الملف سيكون ملف تفجير الحكومة عمداً بدل تفجيرها سياسياً وقد وضِعَ على شكل عبوة مربوطة بفتيل عندما رُبِط َمصير الحكومة به؟
أم ان النجاح فعل في معالجة هذا الملف قد يضفي حيوية على ما إصطلح البعض على تسميته «منظومة الأمان» التي تتكون من الحكومة ومن الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل، والحوار بين قادة الكتل النيابية الذي يرعاه رئيس مجلس النواب ويديره.
كل هذه العوامل ادخلت البلاد بما يسمى «اليوم الآخر» بعد جلسة 2 آذار، خصوصاً انه بدأ يتضح أكثر فأكثر ان اللقاء الاخير بين بري والحريري نجح في إعادة ترسيخ قواعد «ربط النزاع» التي كان معمولاً بها منذ انطلاق الحوار من دون اي تعديل، ما يعني ان كل الأفكار التي طرحها البعض لتعديل هذه القواعد لو يؤخذ بها.