اعتمد الاتحاد الأوروبي بدعة قبل سنوات: اعتبر أن لـ»حزب الله« جناحين. واحد يمكن ارتشاف القهوة معه، والثاني تتم مقاطعته أو تعقبه. جرى إسقاط النموذج الايرلندي (ثنائية الجيش الجمهوري والسين فين) على الحالة اللبنانية.
سعد الحزب يومها بهذه البدعة في نهاية الأمر، لأنها تعطيه مهرباً سهلاً، وتقرّ به كحالة متجذرة في المجتمع اللبناني ليس من الوارد اقتلاعها من جذورها، على ما هي خلفية تصنيف هذه الجماعة أو تلك بالإرهابية.
أو ربما لقي الحزب في هذا التمييز الأوروبي صدى للتمييز الذي لا يقلّ غرائبية، بين الحزب كحزب، وبين ما يعرف بـ»المقاومة الإسلامية». الفارق أن ما يعتبره الحزب مقاومة هو ما يعتبره الاتحاد الأوروبي إرهاباً.
لكن المفارقة مع «حزب الله»، أنه في وقت تزداد فيه رقعة الدول التي تصنفه خارجاً عن القانون، كاد أن يصدّق نفسه في أنه «شرطي» محبوب، يتصدى بقوة للمنظمات المتطرفة في سوريا، ويقدّم نموذجاً لـ»مكافحة الإرهاب«، لا بل ويصرً على أنه لا يكافح الإرهاب بإرهاب آخر، بل بمناقبية عالية!
لطالما حدث في الماضي أن صنفت حركة تحرر وطني في بلد من البلدان إرهابية، لكن أن تصنف إرهابية وتتبنى خطابية مكافحة الإرهاب فهذه لم تكن بالحسبان عند كثيرين.
بطبيعة الحال، التهم الخارجية التي توجه للحزب تأتي من زاوية تبيان علاقته مع «الإرهاب الدولي»، في حين أن التهم الموجهة للحزب داخلياً هي أعمق من «إرهاب – غير إرهاب«. ليس أقلها تعطيل الدولة وتفريغ مؤسساتها والسعي الى إقامة هيمنة مذهبية فئوية مرتبطة بدولة أجنبية على البلد.
بين الاعتبارين اللبناني والعربي مسافة غير قليلة. في الاعتبار اللبناني، نحن أيضاً أمام الحزب الجماهيري الأقوى في الطائفة الشيعية. في الاعتبار العربي، هناك حزب مهما تفرعن إلا أنه سيبقى حزباً صغيراً في بلد صغير مهما كانت أهميته.
لا يمكن اختزال أحد الاعتبارين في الآخر، كما لا يمكن الفصل تماماً.
لكن المشكلة هي في أن كل الأساليب التي اعتمدت لترويج فكرة «الحوار» مع الحزب، هي أساليب صدئة، قياساً على إلحاحات كل من الاعتبارين اللبناني والعربي اللذين تطرح ضمنهما مسألة طبيعة الحزب الإلهي وكيفية التصرف معه.
المفارقة أن الحوار، حوار الطاولة كان بدأ قبل تسع سنوات، حول موضوع «السلاح» أو المنظومة الدفاعية، ثم صار دوره محصوراً بإطفاء النيران، أو التبريد الطقوسي للمناخات، في حين أن القضية «الخلافية الوحيدة» قبل تسع سنوات صارت سرباً من القضايا الخلافية. التدخل في سوريا، الشغور الرئاسي، «سندبادية» الحزب في اليمن وغيرها، العمل العدائي والتحريضي ضد الدول العربية المواجهة لإيران، كل هذا صار يوجب «التحاور» حول موضوعات أساسية عددها أكبر، في حين يحصل العكس: بدل الحوار في السياستين الدفاعية والخارجية، صار الحوار ينحّي الموضوعات الخلافية عن طاولته، ويصير معيار النظر في إيقاعه، هو قدرته على «ضبط الشارع»، الشارع نفسه الذي يحرّكه المتحاورون قبل ذلك بشكل في غاية التشنج.
كل هذا يجعل الحوار مسألة لا يكترث بها المواطنون جدياً، في حين أن الحوار ملحّ أكثر من أي وقت مضى، إنما على القضايا الخلافية وليس على مبدأ تنحية القضايا، والاكتفاء بإدارة الفوضى أو كبح جماح فلان وعلتان.
بالذات بالنسبة الى سياسة لبنان الخارجية، هذا الموضوع الانقسامي منذ تأسيس الكيان، فهذه قضية ملحة لا يمكن اعتماد الموقف «الهواتي» حيالها. من الضرورة أن يسلك هذا الخلاف حول الديبلوماسية ونمطها جزءاً بارزاً من عملية التفاوض الداخلي العسير.