بعد هولاند.. هل يزور كاميرون بيروت؟
عن الرئاسة المستعصية و«لعبة المواعيد» الوهمية
على هامش حفل وداعي لسفير دولة كبرى معنية بالشأن اللبناني، سعى أصحاب الحفل الى استنطاق هذا الديبلوماسي، حول الاستحقاق الرئاسي، وأي المواعيد التي يطرحها سياسيون – وبينهم مسؤولون كبار ـ لانتخاب رئيس جديد، هو الأقرب على الواقع، خاصة أن بعض السياسيين حدّدوا ثلاثة أشهر وحدّد آخرون ستة أشهر، ومنهم مَن يجزم أن رئيس جمهورية لبنان سيولد في آذار…
«أثبتت تجربتي معكم في لبنان، أنكم أنتم اللبنانيون، تتمتعون بحس الفكاهة السياسية ولا تملّون»، قال السفير الغربي، «لديكم طريقة نادرة وطريفة في التفكير. تقاربون الأمور كما تتمنون.. أنا شخصياً لا أستطيع أن أفكر على الطريقة اللبنانية وادخل معكم في لعبة المواعيد، فهذه اللعبة اختراع لبناني، ونحن نراقب مسلسل المواعيد عن بُعد فقط. نتعجّب طبعاً، ولا نعرف علامَ تُبنى، ربما من باب التسلية وملء الفراغ».
بعد تلك المقدمة، يقطع سفير الدولة الكبرى، حبل التفاؤل الرئاسي لدى بعض المستويات السياسية الرفيعة، ثم يلغي كل المواعيد المتداولة بقوله بأن «لا جديد خارجياً حول الانتخابات الرئاسية في لبنان، سوى ترقب ما سيتفق عليه اللبنانيون في هذا الشأن، ونحن ما زلنا نشجّعهم على ذلك، وعيون الخارج حالياً مركزة على الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، لعله يفضي الى اتفاق بين اللبنانيين على رئيس يرضي كل الأطراف»!
«اتفاق اللبنانيين مستحيل»، يقول صاحب الحفل، «خاصة أن التجارب السابقة كفيلة بإعدام هذا الاحتمال، وثمة مخرج وحيد من هذه الأزمة، لا ثاني له مفاده أنه طالما أن اتفاق اللبنانيين مستحيل، وكل الخارج يدرك هذا الامر، وفي مقدمتهم اولئك الذين يصرون على مطالبة اللبنانيين بأن يتفقوا على رئيس. وامام هذه الاستحالة، فعاجلا ام آجلا، سيطلبون منا حزم حقائبنا ونسافر غصباً عنا، الى دوحة جديدة. فلماذا لا نوفر علينا فترة الانتظار حتى ذلك الحين، ونسافر اليوم وننهي هذه المسألة؟!».
تغيّرت لهجة سفير الدولة الكبرى بعض الشيء «واضح ان الاصطفافات اللبنانية الحادة هي التي تمنع الاتفاق على انتخاب رئيس»، الا ان الموقف الرسمي الملتزم به، لم يتغير «يجب ان يتفق اللبنانيون». ولكن بعيداً عن الموقف الرسمي كانت له مقاربة رئاسية لافتة للانتباه، وفيها:
– نحن نبحث الموضوع الرئاسي مع كل الاطراف، والامور ما زالت عند هذا الحد ولم تبلغ بعد مرحلة تحديد الخيار والقرار.
– كل الاطراف، سواء اللبنانية او الدولية، على يقين انه في ظل الاصطفافات الراهنة والانقسامات الحادة بين القوى السياسية، لا حظوظ لأي من «الأربعة الكبار»: ميشال عون، سليمان فرنجية، سمير جعجع وامين الجميل.
– من حيث المبدأ، لا «فيتو» غربياً على اي من المرشحين الآخرين. وسمى بالاسم كلاً من قائد الجيش العماد جان قهوجي، جان عبيد، رياض سلامة، جورج خوري وزياد بارود. و «ثمة حظوظ لكل منهم وان بنسب متفاوتة».
– الاتفاق النووي سيدخل حيز السريان الفعلي في القريب العاجل، ربما قبل نهاية الشهر الجاري، وقد يفتح ذلك باب النقاش (بين واشنطن وطهران) حول ملفات المنطقة، ومن ضمنها لبنان.. وحتى ذلك الحين تبقى كل الملفات مؤجلة.
– نتيجة التطورات المتسارعة في المنطقة، وخصوصاً على المسار السوري، سيدخل لبنان في دائرة الاهتمام الغربي، والاميركي على وجه الخصوص، اكثر من أي وقت مضى. ومن شأن هذا الامر ان يعجل بوضع الانتخابات الرئاسية في لبنان على السكة. وفي سياق هذا الاهتمام تندرج سلسلة الزيارات التي سيقوم بها مسؤولون غربيون، ومنهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وبعده بفترة قصيرة مسؤول بريطاني كبير (ربما رئيس الوزراء دايفيد كاميرون)، وبعده مسؤولون كبار في الادارة الاميركية وضباط كبار في الجيش الاميركي..
ربطا بهذا الكلام، لا يستبعد «زعيم سياسي» ان يقابل الحضور الروسي المتجدد في سوريا، حضور اميركي اكبر في لبنان. والطريف في الأمر، يقول الزعيم المذكور، «إن ثمة مرشحين (يغمز هنا من قناة سمير جعجع )، بدأوا يقرأون في التطورات السورية مقدّمات لتقاسم المنطقة، وتسوية تبقي بشار الأسد على رأس النظام في سوريا، فشرع يسوّق نفسه مع الخليجيين والأوروبيين على اساس معادلة: سوريا للروس وايران، ولبنان لأميركا وحلفائها.. وبالتالي بشار رئيس في سوريا.. وأنا رئيس في لبنان..!».
– لا علم لواشنطن او لأية عاصمة غربية ببدء حوار سعودي ايراني او غربي ايراني او اميركي ايراني حول موضوع الرئاسة في لبنان، حتى زيارات فرانسوا جيرو كانت في عمقها شكلية استطلاعية لا اكثر، وتبعا لذلك، لا نستطيع ان نؤكد ما قيل عن دور للمبعوث الاممي الى سوريا ستيفان دي مستورا حول الرئاسة اللبنانية، واتصالات يجريها، خصوصاً مع طهران.
الجدير بالذكر هنا، ان ثمة مستويات سياسية لبنانية ادرجت اللقاء الذي حصل قبل أسبوع في بيروت، بين دي مستورا ومساعد وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان، في سياق البحث في الموضوع الرئاسي اللبناني. الا ان مصادر واسعة الإطــلاع تؤكد ان اللقاء الذي حصل في السفارة الايرانية واســتمر لأكثر من ساعتين، لم يتناول الموضوع اللبــناني من قريب او بعيد، بل تناول الموضوع السوري حصراً، حيث حضر عبداللهيان خصيصاً الى بيروت، لإبــلاغ دي مستورا برفض إيران لمشروع التسوية التي طرحها حول الازمة السورية. وقد التقيا في بيروت لأن طهران لم تكن متحمّسة لعقد اللقاء فيها، ولم يلتــقيا في سوريا لأن دمشق لم تكن راغبة بمجيء دي مســتورا اليها بعــدما وجدت في مشروع التسوية الذي يطرحــه «صياغة أكثر من إسرائيلية»، على حد تعبير مســؤولين سوريين، ولذلك حضر عبداللهيان الى بيــروت لهذه المهمة حصراً.