تضاءلت احتمالات اعلان الحكومة الحريرية قبل عيد الاستقلال، الذي يصادف غدا، والى درجة العدم، فأمس الأحد، كان أحد عيد العلم، واليوم الاثنين، سيكون سعوديا بامتياز، مع زيارة الأمير خالد الفيصل أمير مكة المكرّمة، ووزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، حاملين تهنئة الملك سلمان بن عبدالعزيز الى الرئيس ميشال عون مرفقة بدعوة رسمية لزيارة المملكة ومصحوبة بجولة سياسية يفترض ان تبدأ في بعبدا وتعرج على عين التينة فالمصيطبة، لتنتهي بعشاء تكريمي في بيت الوسط.
المراهنون على اعلان الحكومة قبل ثلاثاء الاستقلال أدركوا ان طواحين الهواء لا زالت شغّالة، وان العاملين على التأجيل، الى ما بعد المناسبة الاستقلالية، دأبهم وغايتهم الاثبات لمن يعنيهم الأمر، بأن محاولة التغريد خارج السرب، ولو بالايقاع ذاته، له تداعياته أيضا.
بالمقابل يرى مناصرو الحكومة الرشيقة، ان محاولة حشو الحكومة الانتقالية بمن هبّ ودبّ عبر توسعتها من ٢٤ الى ٣٠ وزيرا، لن يسمن ولن يغني عن جوع، وجلّ ما سيترتب على هذه الفوترة السياسية، المزيد من استهلاك الوقت من رصيد المهل الانتخابية، ببازارات التأليف الموسّع والتوزير المتوازن، والمحاولات حول جنس البيان الوزاري، وحول قانون الانتخابات العصي على الاجماع، بحيث نجد أنفسنا أمام تمديد إلزامي جديد لمجلس النواب، بصرف النظر عن مدته أو تسميته، تقنيا كان أم لوجستيا، ما يعني بأن قانون الانتخابات المأمول انجازه من قبل هذه الحكومة، هو الضحية الفعلية للصراع الوزاري المستدام.
ويبدو ان عملية شدّ الحبل، بالمقاعد الوزارية والأسماء، امتداد جلي، أو ارتداد مؤكد، لجلسة الانتخاب الرئاسية، بما رافقها من صولات وجولات، وتخشى أوساط التيار الوطني الحر من تكوّن الانطباعات عند اللبنانيين، بأن صراعا خفيا عاد الى الظهور بين من يعتقد ويؤمن ويريد ان يكون هناك ما قد تغيّر في البلد، وبين من يسعى ويضغط كي يثبّت للناس بأن انتخاب رئيس للجمهورية، لا يعني ان ما هو قائم غير دائم، بل ان تغيير واقع الحال من المحال…
ويدخل في هذا المنحى التراجعي، ما بدأ يطفو على سطح التطورات من لغات طائفية واستنفارات مذهبية، وعراضات ميليشياوية، بالمرقط، وبلا سلاح ظاهر، بمناسبة ومن دون مناسبة، ومن جانب مختلف الأحزاب القديمة أو المستحدثة، بالمناسبات الدينية أو الحزبية، وحتى بالوفيات، ناهيك عما جرى خارج الحدود…
الرئيس المكلف سعد الحريري، يرى أنه بالغ في مرونة التعاطي، مع الأطراف المعرقلة لمسار حكومته، أو التي تتهم غيرها بالعرقلة، وثمة حوله من يحثّه على رفع الصوت وتشديد النبرة، بعدما شعر هؤلاء بأنه تأذى كفاية ممن يأكلون الملح ويكسرون المملحة، بيد ان رصيده الاقليمي، المعوّم والمدعوم بتحالفاته الداخلية، يجعل منه ثابتة سياسية في هذه المرحلة اللبنانية الصعبة، ما يوجب بقاءه في السباق، متسلحا بشعرة معاوية، وفي الوقت ذاته بموقعه كخط دفاع أول عن العهد الجديد، المهدّد بشروط الانهاك والاضعاف والترويض، فضلا عن شعارات المثالثة والجمهورية الثالثة، الى ما هنالك من سهام معاناة العهد السليماني السابق.