بعد أن أعلن عن إنتهاء عملية عاصفة الحزم في اليمن وبدء عملية إعادة الامل، ورغم الآفاق الجديدة التي فتحتها الأحداث المستجدة.
ما زالت بعض الأوساط المرتبطة بحزب الله وإيران تستمر في إعلامها وتصريحاتها بانتهاج سياسة الإفتعال والتحريض، وإن بصورة مخففة فرضتها الوقائع الإيجابية المستجدة وحقيقة التطورات التي فرضت نفسها على كل الساحات، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل:
إلى أين تبحر سفينة « حزب الله « في لبنان في هذه الأيام؟ وإلى أين سيبحر بعد هذه الايام؟
إلى أين تسوق سياسة التصعيد والتحرش بكل السدود والحدود التي ما تزال حتى الآن تمنع عن المنطقة وعن لبنان، ما تبقى من وقائع وظواهر الإستقرار والتوحد التي تحمي الوطن شيئا من آثار الهيجان والطوفان التي يخلقها التدخل الإيراني السافر في هذه المنطقة وبالتحديد، تدخلها في الوضع اللبناني والدفع به إلى شفير الإنهيار، لقد لملم الداخل اللبناني أوصاله وطوائفه وجهاته وفئاته وقام ببذل الكثير من الجهد الملح والسعي الحثيث، حتى أنشأ وطنا راهن الكثيرون على إمكانية تطويره إلى وطن حقيقي ومتكامل الإرتكازات، تسوده وشائج الوحدة ما بين مواطنيه وترعاه أسس العيش الديمقراطي الحر رغم كل العقبات والموانع والثغرات التي واجهت اللبنانيين في مسيرتهم الجاهدة والمجاهدة لترسيخ ركائز وطن يقيهم من أمواج الحراكات والإلتهابات المحيطة بهم من كل حدب وصوب، والتي تندفع باتجاههم بكثير من المؤشرات السلبية التي تهدد وجودهم ومصالحهم بل ومصيرهم نفسه، بما تشهده في هذه الأيام من عينات ونماذج تحريضية مخيفة تطفو على الساحة من داخل ومن خارج.
إلى متى ننكر ونتنكر لكل تلك العائلات اللبنانية التي ضاقت بها سبل الحياة نطاق والعيش الكريم في نطاق هذا الوطن الصغير والمنكوب، وذلك منذ بدايات نكباته المتتالية على مدى المراحل والأزمان الممتدة به منذ أجيال عديدة، دفعت بها أمواج المعاناة إلى غرب وشرق، فبات الإغتراب سمة من سمات هذا الشعب، إنتشرت آلاف مؤلفة من مواطنيه من كل فئاته وجهاته، في أماكن بعيدة وقريبة من هذا العالم الواسع، وبعد أن منّ الله على هذه المنطقة بنعمة الثروة البترولية فبدأت، بلدان الخليج من خلالها مسيرة الإعمار والتطوير والتقدم، واستعانت بذلك بنخبة من أبناء هذا البلد الصغير، متعلمة ومتطورة في ثقافاتها وتخصصاتها العلمية والتقنية، كما واستعانت بأياد عاملة متميزة بخبراتها وقدراتها، فكانت طليعة بشرية وإنسانية استقرت آلافها التي تنامت مع الوقت، في العديد من البلدان العربية، وبصورة خاصة في الخليج العربي، وها هي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، تستضيف اليوم وترعى ما لا يقل عن نصف مليون عائلة لبنانية تستمر في إسهامها في عملية البناء والتحديث، وقد توصل الكثيرون من أركانها إلى أرقى وأقوى مواقع القدرة المادية والثروة المتطورة، ومن بقي منهم في المواقع المتوسطة المتواضعة، أمّن لنفسه ولعائلته ولأهله في الداخل اللبناني، وسيلة عيش كريم لم تكن إمكانات لبنان تسمح بأن تفتح لهم أبوابها وهكذا عاش اللبنانيون في المملكة خصوصا وفي الخليج العربي عموما، عيشا كريما مستقرا وسط أجواء مرحبة وحاضنة ومفضّلة لهم على غيرهم من الوافدين والعاملين، واستمر هذا الوضع على مدى أجيال، إلى أن بدأ هؤلاء يستشعرون بتلك الأخطار المقبلة إليهم وعليهم، من قلب بلادهم ومن بعض مواطنيهم، وفي الوقت الذي لم يشهد اللبنانيون من أشقائنا في الخليج عموما وفي المملكة العربية السعودية خصوصا، إلا مبادرات الخير والعون والمساعدة، وفي الوقت الذي كلما ادلهمت الأخطار والأوضاع المحلية اللبنانية وتعرض لبنان للإهتزازات المحلية وتلك الآتية من الداخل والخارج، لم يجد اللبناني من مصلح ومهديء ومنقذ إلا إخوته الخليجيين وهكذا كان مؤتمر الطائف، وهكذا كانت المبادرة المادية والإقتصادية الداعمة لكل خلل والمنقذة من كل شلل، وهكذا كانت الهبات السخية التي خصصت للجيش اللبناني بالتحديد أكبر وسيلة جادة وذلك لدرء أخطار اسرائيل والموجات المتطرفة والتكفيرية التي باتت تحيط بهذا البلد من كل جهاته ونواحيه.
وفي المقابل، وبينما كان اللبنانيون بغالبيتهم الساحقة، يتوجهون بكل الشكر والإمتنان إلى السعودية وحكامها ومسؤوليها، اذا بحزب الله، يبرز من بين طوفان الخير المادي والمعنوي الذي انهمر عليه من المملكة في وقت انحسرت فيه اهتمامات الآخرين الإيجابية بهذا البلد، حتى كادت أن تزول كليا، وإذا بالمسؤولين في الحزب، يتجاوزون كل مواقع التهدئة والحوار الداخلي ومساعي الإبقاء على الأوضاع اللبنانية المهتزة، على حالها وعلى هدءتها المشغولة، ويطلقون جملة من الشتائم والمزاعم المؤسفة بحق السعودية والسعوديين، واذا بمصير مئات الالوف من اللبنانيين مرتبط بنهج الإستمرار في خط الإفتراء المستمر، وفي تعليق مصير هؤلاء على حبل التصرفات المنعزلة والمنفردة والمرتبطة كليا بالوضع الإيراني وتوجهاته وأيديولوجياته ومصالحه الواضحة في فارسيتها وفي عدائها التاريخي لكل ما يمت إلى العرب والعروبة بصلة، آملين أن تكون الأوضاع المستجدة من خلال ابتداء العمل بمرحلة « إعادة الأمل « منطلقا لتصويب الأوضاع الشاذة المنطلقة من بعض أنحاء لبنان وأن تأخد المملكة بعين الإعتبار أن ما يحصل هو جملة من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها قيادة معروفة بارتباطاتها مع إيران بحيث لا يجوز تحميل تلك الأخطاء للبنان كله.
وها هو الداخل اللبناني يتململ ويتحرك ويرفض بكل جهاته وفائته وإن بنسب مختلفة بعد قفزة المرحلة الخطيرة التي أدخلنا فيها الحزب وأدخلتنا فيها إيران، بسوريا (والعراق) أولا ومن بعدههما اليوم، في اليمن الذين يسعى الحزب مع حاضنته الإيرانية ، إلى مد أياديه وأظافره إلى مجمل الخليج العربي بدءا باليمن المجاورة بخطوط طويلة من الحدود مع المملكة العربية السعودية ووصولا إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة وهي بلدان تعتبره إيران حاليا جزءا لا يتجزأ من إمبراطوريتها المستحدثة التي تمارس التآمر والتصرف العنيف ولغة الإنقلابات العسكرية والإستيلاء على أكبر قدر ممكن من السلطة الطائلة والقادرة حيثما تيسر لها ذلك، ولنا في دولة لبنان والدويلة الممسكة بخناقها والمسيّرة لمعظم أمورها وفقا للنهج الإيراني الخالص، خير مثال ودليل.
ها هو الداخل اللبناني يتحرك إذن ضمن الطائفة الشيعية الكريمة ولدى حلفاء الحزب الذين كانوا قد بدأوا يأخذون مساحة متباعدة عن موقف الحزب بخصوص اليمن، إضافة إلى القوى المعارضة المعروفة لنهج الحزب والتي تجاهر بوضوح واستفراس وشدة بتأييدها لنهج الدفاع المشروع عن النفس وعن الوجود وعن مصالح الشعب اليمني الشقيق التي تشهد غزوا حقيقيا من قوى أطلقتها إيران في الأراضي اليمنية، فاستولت بقوة السلاح غير الشرعي على مواقع التحكم بها وبمصيرها، وها هي المملكة والتحالف العربي والخليجي المتماسك مع مواقفها وضرباتها العسكرية التي أعادت الأوضاع المقلوبة إلى طبيعتها وإلى توازناتها وإلى بداية موفقة لرأب الصدع العربي حيثما وجدت مكوناته، وبالتالي فهي قد أعادت العرب إلى ساحة الفعل والفعالية والقدرة على اتخاذ القرار، في وقت كاد الكثيرون يميلون إلى وضعهم في سلة الإهمال والتخاذل، وما تطورات الأحداث الطارئة إلا خير دليل على ذلك.