IMLebanon

بعد القدس …عودة روسيا إلى المياه الدافئة

 

 

 

ساعات قليلة فصلت الفيتو الأميركي في مجلس الأمن على مشروع القرار العربي الذي تقدّمت به مصر بشأن القدس عن إعلان الاستراتيجية الأميركية الجديدة للأمن القومي. معارضة واشنطن المنفردة لمشروع القرار والإصرار على طيّ صفحة القدس هو إصرار ليس فقط على اخراج الصراع العربي الإسرائيلي من دائرة المقدس ومن بُعدِه العربي الجامع، بل على إسقاطه في الوقت عينه من قائمة القضايا الإقليمية المؤثّرة على السلام والأمن الدوليين وتحويله الى نزاع جغرافي برسم التسوية السياسية. تدرك الإدارة الأميركية أنّ الدول العربية المؤثّرة لن تقوى على الإعتراض، لقد أوجدت الإدارات الأميركية لهذه الدول، منذ سقوط بغداد، ما يكفي من التهديدات التي تلامس وجودها في مجالات تتقدّم على القضية المركزية التي لن يسقطها قرار بنقل عاصمة من مدينة إلى اخرى.

إستراتيجية الرئيس دونالد ترامب التي حاكت مقولة أميركا أولاً، والتي بدت موجّهة نحو تحصين وضع الإدارة الداخلي والإستجابة لتطلعات المواطن الأميركي غير المكترث بالسياسة الخارجية والعلاقات الدوليّة تمحورت حول أربع قضايا رئيسية هي: حماية الدولة وطريقة حياتها، تعزيز الإزدهار الأميركي، ضمان السلام من خلال السلطة، وتعزيز النفوذ الأميركي. التهديد الخارجي على المستوى الأمني اختصرته الاستراتيجية الجديدة بالتطرف الإسلامي الآتي من إيران وتعهدت بالتصدي لزعزعتها استقرار المنطقة وقطع الطريق على حيازتها سلاحاً نووياً، ودعت الزعماء في منطقة الشرق الأوسط للعمل المشترك لمحاربة هذا التطرف الإرهابي الإسلامي الذي قادنا لندرك أنّ إسرائيل ليست مصدرا للنزاع في الشرق الأوسط .

روسيا القوة المنافسة التي خصّص لها ترامب جزءاً من استراتيجيته تتحرك فقط بحرية كل الفراغات التي خلّفها الإرتباك الأميركي في المشهد الإقليمي. نجحت روسيا في العبث  بكل الثوابت ووظّفت كل شيء في خدمة موقعها المستجدّ في الشرق الأوسط. تقاتل روسيا لحماية الاسد وتقيم علاقة إستثنائية وتفاهمات مع تل أبيب وتفسح المجال للطائرات الإسرائيلية لتقصف مواقعه ومواقع حلفائه وتتواصل مع الأردن لإشراكه في هدنة الجنوب السوري. تعلن الحرب على الإرهاب وتقيم صلات متينة مع أنقرة، التي ترعى فصائل جهادية في إدلب. تجمع التناقضات التركية وإلإيرانية تحت رعاية القيصر بالرغم من اختلاف أحجام الشركاء وتنتزع في النهاية من واشنطن تفويضاً ضمنيّاً حول مستقبل سوريا، مشاهد زيارات القيصر لمصر وتركيا وسوريا في يوم واحد والنجاح في ربط أمن الطاقة في كل من مصر وتركيا ومصير الرئيس الأسد بموسكو قدّمت أكثر من دليل على حيوية روسية لا يمكن تجاهلها قد تجعلها الملاذ الآمن لكل أعداء أميركا في المنطقة.

يدرك الرئيس بوتين أنّ تصفية قضية القدس ببعديْها التاريخي والديني ستعطي إشارة الإنطلاق لتحالفات جديدة تستدعي  التعامل معها وتفتح المجال لسباقٍ على النفوذ في الشرق الأوسط ليس من قِبَل روسيا بل من قبل دول أوروبية وآسيوية وازنة. موسكو المتحفزة للتمسك بما أحرزته من مواقع في الشرق الأوسط تسارع حركتها لتجديد الحلم القديم بالسيطرة على المياه الدافئة وترسيم الخط الفاصل من البحر الأسود مروراً بشرق المتوسط  وحتى البحر الاحمر . النجاح الروسي باستخدام القواعد الجويّة المصرية والتعاون في المجال النووي مع كلّ من مصر وتركيا بالإضافة الى النجاح في مدّ أنبوب الغاز الروسي عبر البحر الاسود والسيطرة على الساحل السوري يرسم خط تماس جديد في وسط العالم العربي بين واشنطن وموسكو المتقاطعتين حتى الآن في تل أبيب وعمان.