الاستحقاقات اللبنانية على توقيت معركة القلمون، سياسية كانت أو دستورية، عسكرية أو أمنية، اذ لا صوت يعلو فوق صوت معركة الفصل، واترلو الجديدة أو العلمين الاقتراب أكثر…
حزب الله أبلغ الحلفاء، بأنه خارج السمع الآن، وحتى انتهاء معركة القلمون، الكلام عينه يسمعه أصدقاء دمشق في بيروت، فالقلمون هو خاصرة دمشق الرخوة، كما يقولون، وهو مطل المعارضة السورية على معاقل حزب الله عند سفوح السلسلة الشرقية، وهو فوق هذه وتلك، ميدان اعادة التوازن الى المعادلة العسكرية السورية، بعد اختلالها في الشمال والجنوب، وبالتالي اعادة الثقة بصمود النظام، بعدما بات حتى الحلفاء الأقوياء يمهدون الأجواء لاخلائه العاصمة، باتجاه الساحل الغربي…
بعض اطراف ١٤ اذار يصف معركة القلمون بالكارثة الكبرى على مستوى الأمتين العربية والاسلامية، بمقابل بعض رموز الثامن من آذار الذي يذهب الى حد اعتبارها، مدخلاً أو فرصة لاعادة الاعتبار الى من قلصت عاصفة الحزم اعتبارهم في اليمن، فالمحاور مترابطة وإن بدت منفصلة.
لكن هناك من يستبعد أن تكون المعركة المطروحة حاسمة، أولاً لأن مساحة القلمون السوري واسعة وطبيعته وعرة، وثانياً لأن مقررات أطراف الصراع، أكان حزب الله أو جيش الفتح، أو حتى الجيش النظامي موزعة، إن لم نقل مشتتة بين الجبهات والمواقع، ويتعذر اخلاء موقع في اطار تجميع القوات، خشية العجز عن العودة اليه، وثالثاً وهذا هو الأهم، لأن المايسترو القائد للأوركسترا العربية، ما زال يدوزن عوده، ولم يعتمد أي مقام نهائي أو ايقاع…
وقد يكون هذا التباطؤ المايستروي مقصوداً وبهدف جر الأطراف السورية الى المفاوضات، أكان في جنيف أو في أي مكان آخر، وثمة قول مأثور: اشتدي أزمة تنفرجي…
لكن للفرج علامات ومقدمات، وليس منها ما يبدو حتى الآن، لأن قاعدة إما قاتل أو مقتول ما زالت سائدة عند الجيران…
على المستوى اللبناني، الوضع حتى الآن ممسوك، استقرار أمني نسبي، تغطيه حوارات سياسية بلا طائل. الى جانب اقتناع الاطراف المتورطين في الجحيم السوري، بأن خيارهم المعتمد لن يؤدي الى مكان. نفس الموقف بالنسبة الى طهران، التي سوف تدرك عاجلاً أم آجلاً، أن مصلحتها بالتآخي مع جيرانها العرب، لا بمعاداتهم، أو بالعبث مع مجتمعاتهم، وان بغداد هي عاصمة العباسيين في التاريخ، كما دمشق عاصمة الأمويين، وكذلك بيروت عاصمة لبنان الذي لطالما حكم نفسه بنفسه حتى في عزّ جبروت السلطنة العثمانية، ومثلها صنعاء ويمنها الذي لم يكن محتلاً في تاريخه منذ عهد مملكة سبأ…
ان العودة الى التاريخ تساعد على فهم الحاضر.
وفي معركة القلمون قد يستطيع أحد أفرقاء الصراع تسجيل تقدم على محور أو موقع نتيجة جهد عسكري بالغ، أو وهن لدى الطرف الآخر، لكن مثل هذا الانتصار المحصور سيكون بمثابة شيك غير قابل للصرف، لأن رصيده لن يدوم، فالمسألة كرّ وفرّ، بانتظار نضوج مكونات الحلول النهائية.
والدلائل كثيرة، وان كان النظام لا يعترف بها، انطلاقاً من مباهاته الدائمة بالصمود أربع سنوات… ومن دون ان يتذكّر بأن معارضيه صامدون أيضاً، وقادرون على الحركة أكثر وأرصدتهم البشرية أكبر، والجغرافية أوسع والتفهم الدولي لمنطلقاتهم الحقيقية أوفر، ولا وجود لمحكمة دولية رابضة فوق صدورهم، ودامغة لتصفية رجالهم، على طريقة جزاء سنمار.
أما على المستوى اللبناني، والحال هذه، فان الانتظار سيّد الأحكام، لا انتخابات رئاسة ولا جلسات تشريعية، ومقررات حكومية تتعدّى تصريف الأعمال. انما التوازن قائم مقروناً بالتفاهم على تحييد الساحة الداخلية، ومواصلة الحوار لضمان سلامة الاستقرار.
وأبرز سمات هذا الوضع الموقف الشجاع لقيادة الجيش، التي رفضت جعل هذه المؤسسة الوطنية سوراً واقياً لأحد، وقد رسم العماد قهوجي أمس، خطاً فاصلاً يحدد مهمات الجيش بحماية الحدود، واجتثاث جذور الارهاب على أشكاله وألوانه ومنطلقاته وأبعاده، وليقلع كل طرف آخر شوكه بيديه…