لا تقتصر الأسئلة الكبيرة في ما خصّ العملية الجارية في الموصل لتحريرها من تنظيم «داعش»، على الحديث عن القلق على حياة المدنيين والخطط الإنسانية الكفيلة بتوفير الممرات الآمنة للنازحين وإيوائهم، ومنع حدوث كوارث بحقهم أو تهجيرهم قسرياً، أو القضاء على محاولات «داعش» احتجاز أهل الموصل رهائن وكدروع بشرية، والحيلولة دون الانتهاكات الطائفية والانتقامات المذهبية، بل تطاول أيضاً التساؤل عن مدى الوفاق السياسي بين الأطراف العراقية المشاركة في هذه المعركة عقب انتهائها، ومدى نجاح هذه الأطراف في جعل هذا الحدث حدثاً وطنياً للقضاء على الإرهاب ولمّ الصفوف، وعدم التورط في أيّ نزوع لاقتسام الغنائم والتنازع على تقاسم الجغرافيا والنفوذ بعيداً من المظلة الوطنية الجامعة والمواطنة المتساوية، والإصرار على حفظ كرامة الإنسان العراقي وحقن دمه.
بمعنى آخر، إن هذا التحرير سيفقد بريقه وقيمته حين تكون كلفته باهظة بحق المدنيين والأطفال والنساء، أو بحق النسيج الوطني، وهو ما حذرت منه منظمات حقوقية وإنسانية دولية. وإذْ إن القضاء على «داعش» في الموصل معركة كبرى تستحق أنْ تُخاض على المستويين العسكري والأمني، فإن معركة تخليص العراق من الطائفية لا تقل أهمية، بل لا نرى ثمار الجهد العسكري من دونها، وسنظل نطارد البعوض بدل تجفيف المستنقع، كما يقال.
ولعلّ من الأسئلة الكبيرة التي تثيرها معركة تحرير ثاني أكبر المدن العراقية ما تحدث عنه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، حين لفت النظر إلى أن من مسؤولية «التحالف الدولي» قطع الطريق على «داعش» كي لا يهرب باتجاه سورية. هذا ما أثار محللين رصدوا أن خطة تحرير الموصل تركت المحور المؤدي إلى سورية من دون تطويق، وهو محل قلق إقليمي ودولي واسعين، لأنه يتعلق بهروب وهجرة فلول «داعش» من الموصل، وقد كان مثيراً كلام حيدر العبادي عن أن «المناطق الأكثر ملاءمة للتنظيم في المستقبل هي السعودية والخليج»!
والواقع أن المخاوف من هجرة فلول «داعش» لم تقتصر على الأردن وسورية وتركيا وليبيا، بل إنّ المفوض الأوروبي للأمن جوليان كينغ حذّر من تدفق «داعش» إلى أوروبا بعد تحرير الموصل، كما ربط محللون بين إرسال وزارة الدفاع البريطانية 40 مستشاراً عسكرياً إلى تونس، وبين الخطط الاستباقية لمواجهة واحتواء عودة أفراد تونسيين ينتمون إلى التنظيم إلى بلادهم مع معركة الموصل، وقد وصلت هذه المخاوف إلى ماليزيا التي أعلنت تعزيز إجراءات الأمن على حدودها تحسباً لمحاولة مقاتلين متشددين ماليزيين العودة إلى البلاد إثر انطلاق معركة الموصل.
والحقيقة أنه إذا لم يكن «محور سورية» في خطة تحرير الموصل مدروساً بعناية من جانب «التحالف» فإنه سيعني أن الأردن سيواجه تحديات أكبر مع احتمالات تدفق فلول «داعش»، إذْ على رغم إعلان الأردن عدم رصده أي فلول من الموصل باتجاه الحدود الأردنية، فإن المحاولات المستمرة لـ «داعش» لاختراق مخيم الركبان للنازحين السوريين على الحدود الأردنية – السورية – العراقية، وخسارة «داعش» في الحسكة وحلب ودابق، وتصاعد نشاط التنظيم عبر «جيش خالد بن الوليد (الذي يضم حركة المثنى ولواء شهداء اليرموك وأنصار الأقصى وغيرها) جنوب سورية، من شأنها أن تزيد من المخاوف على أمن الحدود الأردنية مع انطلاق معركة الموصل والمصير الغامض لفلول «داعش» الفارين منها، بعدما دعا التنظيم أفراده فيها إلى مغادرتها «بسبب ظهور النفاق في المدينة»! على حد قوله.