Site icon IMLebanon

بعد كلام نصرالله لا مجال لاي تأويل

ذهب الكثيرون في فريق 14 آذار الى تفسير كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله الأخير بشأن العماد عون على أنّه ممر إلزامي نحو رئاسة الجمهورية، بأنّه تغيير في الخطاب. فقد تحوّل عون، من وجهة نظر هذا الفريق، من مرشح المقاومة للرئاسة، الى ممرّ، وإن كان إلزامياً، أي أنّه يُسأل ويُستشار حول هذا الاستحقاق ليس إلاّ. وربطوا بين هذا التغيير وزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى لبنان ولقائه بالسيد نصرالله.

ولعلّ هذا التفسير الخاطىء هو ما شاء فريق 14 آذار أن يسود في الوقت الراهن، غير أنّ أوساطاً سياسية عليمة أوضحت أنّ السيّد نصرالله اعتمد عبارة «ممر إلزامي» نظراً لما يواجهه وزراء «التيّار الوطني الحرّ» في جلسات مجلس الوزراء من تهميش وعدم الأخذ برأيهم، وتمرير للقرارات رغم معارضتهم لا سيما القرار الأخير الذي قضى بتأجيل تسريح القادة الأمنيين الثلاثة.

وإذ ذكرت الأوساط نفسها، أنّه لا حاجة للتذكير دائماً بأنّ «العماد عون هو مرشح «حزب الله» في كلّ مرّة يُطرح فيها موضوع الإستحقاق، كونه «تحصيل حاصل»، شدّدت على أنّ التوضيح الذي لا لبس فيه جاء أخيراً على لسان السيد نصرالله خلال استقباله مجلس أمناء «جامعة المعارف»، إذ أكّد أنّ العماد «عون هو مرشح طبيعي وقوي وله قاعدة تمثيل عريضة، ونحن كنا وما زلنا وسنبقى ندعم هذا الترشيح»، مؤكّداً أن «لا تغيير ولا تعديل في موقفنا حول الإنتخابات الرئاسية»، و«هذا تبنّ والتزام»، ولهذا فلا حاجة للتكرار.

هذا التصريح الأخير كفيل بإيضاح الفكرة برمّتها، وبقطع الطريق أمام المصطادين في الماء العكر، خصوصاً وأنّ السيّد نصرالله أراد في خطابه في الذكرى التاسعة لحرب تموز لفت النظر الى عدم سماحه بعد اليوم بتهميش وزراء عون، أو عزلهم أو كسرهم في الحكومة التي ينتمون إليها ويعملون فيها بجدية وإنتاجية أكثر من وزراء عدّة آخرين، ما يعني أنّه لم يقف عند دعم العماد عون في رئاسة الجمهورية، بل تخطّى ذلك الى دعم وزرائه في حكومة الرئيس تمّام سلام الحالية التي تحاول جاهدة وضعهم جانباً، والتصرّف حتى من دون موافقتهم.

وعن ربط التغيير «المفترض» بزيارة ظريف وما قاله للسيد نصرالله، تقول الأوساط ان لا تبدّل في الموقف لكي يكون لزيارة ظريف أي تاثير عليه، كما أنّ الوزير الإيراني صرح أمام جميع المسؤولين الذين التقاهم بأنّ اللبنانيين أنفسهم هم الذين عليهم انتخاب رئيسهم، من دون أن يُسمّي احداً للرئاسة أو يدعم آخر. ولكن من جهة أخرى، دعا الأطراف جميعاً للحوار والتلاقي، ولعلّ هذا ما يُفسّر رفع إبط «تيار المستقبل» في صيدا عن دعم الشيخ احمد الأسير واتخاذ قرار تسليمه الى العدالة، بعد أن انتهى الدور المطلوب منه.

في الوقت نفسه، فإنّ التسويات التي بدأت تنشأ في دول المنطقة لحلّ أزماتها، وعلى رأسها الأزمة السورية التي تلقي بثقلها على لبنان، لا بدّ أن تُترجم تسويات في الداخل أيضاً، ولهذا فإنّ التقارب يجب أن يحصل بين فريقي 8 و 14 آذار للتقريب في وجهات النظر، وليس لمحاولة زعزعة مبادىء «وثيقة التفاهم» القائمة بين «التيار الوطني الحرّ» و«حزب الله»، سيما أنّ المحاولة قد باءت سريعاً بالفشل رغم التفسيرات والتأويلات غير الصحيحة.

أمّا إذا كان البعض يعتقد أنّ زيارة ظريف حصلت للإيعاز بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، فإنّه مخطىء أيضاً، وإن ألقى ظريف الكرة في ملعب النوّاب اللبنانيين، على ما أضافت، لأنّه على السعودية أن توافق، في المقابل، على انتخابه. وما دامت كلّ من إيران والسعودية لم تُحقّقا حتى الآن، التقارب المطلوب، فإنّ مسألة الرئاسة لن تُحلّ قريباً قبل حلحلة الأزمات المجاورة. ولو لم يكن الإستحقاق الرئاسي مرتبطاً بكلّ أزمات دول الجوار، ولا سيما سوريا، لكان النوّاب انتخبوا أحد المرشحين الموارنة خلال الجلسات العشرينية التي دُعوا اليها للإنتخاب.

من هنا، تجد الأوساط أنّه بدلاً من إضاعة الوقت في تفسير ما هو واضح ومفسّر، أن يذهب فريق 14 آذار نحو تعميق الحوار الذي بدأ بينه وبين «حزب الله»، لكي يتماشى مع التسوية المقبلة التي ستحصل بين السعودية وإيران. فالمبادرة التي قام بها بتسليم الأسير تؤخذ له كنقطة إيجابية في القضاء على التطرّف السنّي الذي شوّه حقيقة الطائفة السنية المعتدلة التي عمل رجالها طويلاً في السياسة وقادوا البلاد الى شاطىء الأمان.

كذلك فإنّ المطلوب اليوم وقف الاصطياد في الماء العكر لتوتير العلاقات، إن بين العماد عون و«حزب الله» من جهة، أو بين الجنرال والحكيم لا سيما بعد أن وقّع الرجلان ورقة «إعلان النوايا» لعدم العودة الى الوراء أو تكرار أخطاء الماضي، لأنّ هذه المحاولات لن تنفع، والعمل بدل ذلك على تقديم بعض التنازلات لتسهيل الاستحقاقات الإنتخابية والرئاسية التي من شأنها إعادة البلاد الى السكّة الصحيحة.