تتعدد القراءات والتوقعات لِما سيكون عليه مستقبل الاوضاع في لبنان والمنطقة في ضوء الاتفاق النووي الذي حصل بين ايران والدول الغربية، لكنها تتقاطع على أنّ هذا الاتفاق لا عودة فيه الى الوراء، وأنّ الآتي من الأيام سيشهد على انه أدخلَ المنطقة في مرحلة جديدة.
إحدى هذه القراءات تقول انّ اتفاق لوزان خلق معطى جديداً لا يمكن لأيّ دولة في العالم تجاوزه، حتى الدولتان العظمَيان روسيا والصين لن يكون في مقدورهما الإقدام على أيّ خطوة على المستويين الاقليمي والدولي من دون أخذ هذا الاتفاق في الاعتبار.
ويقول اصحاب هذه القراءة إنه من الآن وحتى حزيران، موقع إنجاز الصيغة النهائية للاتفاق، سيكون على كثير من الدول العمل على حفظ هيبتها، حتى بالدم، ما يعني انّ الازمات الاقليمية القائمة ستشهد مزيداً من التصعيد بحيث انّ المنغمسين فيها سيعملون على تثبيت حضورهم ليحجزوا لأنفسهم الحصص في الحلول التي سيُطلقها الاتفاق لهذه الأزمة الاقليمية أو تلك.
فـ«عاصفة الحزم» في اليمن ستتصاعد أكثر فأكثر في قابل الايام والاسابيع الفاصلة عن موعد حزيران، وكذلك الأمر بالنسبة الى العراق والحرب على «داعش» فيه وفي سوريا.
وستشهد الأزمة السورية ايضاً مزيداً من التصعيد، حيث أنّ هناك «عاصفة تركية» في إدلب و»عاصفة أردنية» في الجنوب. وإنّ القيّمين على هذه العواصف يريدون منها ملاقاة عاصفة الحلول التي ستجتاح المنطقة.
على أنّ الازمات الاقليمية ينبغي أن تعاد قراءتها على وَهج اتفاق لوزان، وهي أزمات يبدو أنّ مناخ البحث فيها ما زال مفتوحاً بين واشنطن وطهران في انتظار إسقاط الاتفاق النووي على حركيتها، علماً انّ النزاع الاميركي ـ الايراني سيبقى مستمراً في ملفّات المنطقة، بمنطق النزاع وليس بمنطق التفاهم، حتى لحظة توقيع الاتفاق النهائي في حزيران.
وفي انتظار تلك اللحظة ستحاول الولايات المتحدة الاميركية، في الفترة الفاصلة عن محطة حزيران النهائية، استرضاء حلفائها وتطمينهم الى انّ هذا الاتفاق يخدم مصالحها ومصالحهم على حد سواء.
ويؤكد اصحاب هذه القراءة ايضاً انّ الاتفاق الحاصل يمكن اختصاره بعبارة انه «اتفاق يعترف بإيران أمّة بين الأمم الرائدة في العالم» وليس دولة نووية فقط، اذ انه وضَعها في مصاف الدول الست الكبرى التي خاضت معها المفاوضات طوال عشرة اعوام.
امّا على الصعيد اللبناني، فيقول اصحاب هذه القراءة انه على رغم الاتفاق لا يزال هناك انطباع مفاده أنّ لبنان لا يزال في أسفل الأولويات الاقليمية والدولية. وبالتالي، لا يمكن توقّع انتخاب رئيس جمهورية قريباً، لأنه من المبكر الحديث عن «تداعيات لبنانية» للاتفاق.
ولكنّ التنافس بين فريقي 8 و14 آذار سيشتدّ، بحيث انّ كلّاً منهما سيسَوّق موقف حلفائه الاقليميين من هذا الاتفاق وما حَققوه من مكاسب فيه، الى أن تبدأ ديناميات المرحلة الجديدة. وفي هذه الحال ربما يشكّل لبنان «بوّابة» لِحُسن النيّات عبر تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية.
وثمّة قراءة ثانية لاتفاق لوزان، يقول اصحابها إنه يشكّل خطوة مهمة على طريق تطبيع العلاقة بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية، فهو ليس أوّل المطاف ولا نهايته، إذ سيرافقه عمل في واشنطن لتذليل العقبات الاميركية الداخلية من وجهه.
واللافت في هذا المجال انّ الرئيس الاميركي العلماني استخدم فتوى دينية بكلّ المقاييس للمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيّد علي خامنئي القاضية بتحريم تصنيع السلاح النووي واستخدامه تحريماً قطعياً ونهائياً.
وسيتزامن هذا العمل الاميركي الداخلي مع عمل مماثِل في ايران، حيث انّ القيادة الايرانية ستعمل على معالجة موقف فريق من السياسيين الإيرانيين المحافظين الذين يعارضون الاتفاق.
ويضيف هؤلاء انّ الاتفاق يشكّل نقلة نوعية في العلاقة بين واشنطن وطهران خصوصاً، وبين الدول الغربية وايران عموماً، ستنعكس على ملفات المنطقة كلها. لكنّ جوهره يتمثّل في أنّ رحلة التطبيع التدريجي بدأت بين البلدين، لأنه بعد 36 عاماً من العداء والتوتر بينهما، من الصعب إغلاق الصفحة بين ليلة وضحاها.
ولذلك، فإنّ التطبيع سيكون متدرّجاً وفق سياسة الخطوة ـ خطوة التي انتهجها وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر بين مصر واسرائيل، وها هو الرئيس باراك اوباما ينتهجها في العلاقة بين الولايات المتحدة وايران.
ويُجمع أصحاب هذه القراءة على أنّ الاشهر الثلاثة المقبلة، بما فيها الشهر الحالي، ستكون حاسمة. المتفائلون يقولون انّ الاتفاق سينعكس ايجاباً على المنطقة، فيما المتشائمون يتوقعون لها أن تشهد مزيداً من الاحتدام في إطار رسم خريطة الاتفاق أو تحسين الشروط.
واللافت انه على رغم معارضة الحزب الجمهوري وبعض الصحف الاميركية الكبرى للاتفاق، فإنّ اوباما يحظى بتأييد الرأي العام الاميركي، إذ تُظهِر استطلاعات الرأي أنّ نسبة 60 في المئة من الاميركيين يؤيّدون الاتفاق لأنّ البديل منه هو الحرب، فيما هم لا يريدون هذه الحرب.