بديهي أن يلهث الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد هزيمة حزبه في الكونغرس، ساعياً إلى اتفاق ربع الساعة الأخير مع إيران، في الماراثون النووي.
بديهي أن يصر الرئيس حسن روحاني على التشبث بفرصة تتيح رفع العقوبات عن إيران، إذا اقتنع الغرب بأن موقف المرشد خامنئي الذي يحرّم علناً اقتناء السلاح النووي، ليس كذباً وتضليلاً. وليس أقل بداهة صراخ الإسرائيلي الذي يخشى شطب «عدو»، يريده دائماً جاهزاً، لاستخدامه في التغطية على ما يرتكبه من جرائم في فلسطين.
ولكن، لماذا يصبح بديهياً أن نتوقع مزيداً من المجازر، كلما لاحت فرص اتفاقٍ إيراني- أميركي علني (مَنْ يجزم في المخفي؟) أو اقترب موعد نهاية المهلة لحسم الملف النووي؟
لماذا تتشتت الأبصار بين سورية ونكباتها، والعراق وكوارثه، واليمن وخيباته الممهورة بدماء أبنائه… بين ميليشيات شيعية، و «لجان شعبية» حوثية، وقبائل، و «فتاوى» وبراميل متفجرة؟ بين رايات ضرب الفساد التي تضرب شرعيات ورايات دينية، باسمها يُرتكب ما يضلِّل ويخدع لتركيب فتن غرائزية، تحت شعار «ضرب الفتنة»… تتمدد ساحات القتل كلما طال الزمن النووي بالتوقيت الإيراني.
بين جولة «نووية» وأخرى، لا تهدأ فتن القتل والتشريد في العالم العربي، حتى إذا حانت ساعة الحسم، أمكن الكبار قطاف الحصص وتوزيع الأدوار والنفوذ. لذلك، يمهد تنظيم «داعش» وأمثاله الأرض للساكن الجديد، فيركّب على هواه «هلالاً شيعياً» أو شرق أوسط أميركياً- أوروبياً، كل فرصه وأسواقه وثرواته ستكون مباحة للصفقة.
قد يُسعِد أوباما فتح صفحة تعاون مع الصين، من بحرها إلى ملف المناخ وكتاب الإرهاب… وأرق «داعش». قد يشجعه تجهّم الرئيس فلاديمير بوتين على طلب وساطة من بكين لتهدئة جموح الكرملين في خاصرة أوكرانيا الشرقية، أو التحضير لخريطة طريق تحيي «جنيف» السوري، إذا انتهى الماراثون النووي إلى ما يُرضي الغرب والروس والإيرانيين.
في كل ذلك، نحن العرب غائبون، غاضبون من إرهاب الفتنة، لكننا عاجزون عن الإمساك بأوراق المصالح… لا نعي سوى إحصاء ضحايا الإبادات، من المشرق إلى المغرب، ولا نعلي إلا الدهشة أمام مساحات الخراب التي باتت وطناً بلا حدود.
أليس سلاحاً للدمار الشامل أن نتهم غير العرب بزرع الفتنة، ونسقيها دماءً من العراق إلى سورية واليمن، بذريعة «كُفر» الآخر؟ أليس أقصر الطرق إلى الكُفر ذبح الإنسانية وادعاء حراسة الأديان؟
بين جولة إبادة وجولة إعدامات وتقطيع جثث، كان الإيراني يحصي عدد أجهزة الطرد المركزي وعلى كم منها سيساوم، ليفاوض على المنطقة، وعلى حصته من هرمز إلى البحرين، الأحمر والمتوسط. كانت عين أوباما على البحر الأصفر، ودخول التاريخ من صفحات الملف النووي الإيراني الذي سيكون طيّه إنجازه الوحيد إقليمياً ودولياً.
فليكن، أليس من «نهضة» المنطقة، نهوض التاريخ من موته؟ لكلٍّ كربلاؤه، وبعد «انفجار» الإسلام السياسي بكل أصولييه، نصحو على «حقيقة» أن كل العصور والأجيال كانت منذ نحو 1400 سنة بلا ذاكرة!
لدى الإيراني، لا بد أن يكون هذا العصر دينياً ونووياً ايضاً، أما مصير «الشيطان الأكبر»، فسيحدده المرشد بعد مهلة الصفقة.
ماذا لو أُحبِطت؟ هل يكون مصيرنا أسوأ؟ نحن المنهمكين بالحرب على «داعش»، قد ندرك أن الصفقة مصلحة متبادلة، لأوباما المقيّد بسلاسل الجمهوريين في السنتين الباقيتين من عهده، ولروحاني الذي يخشى فقدان معركته الوحيدة مع العقوبات، لأنه خاسر حتماً معركته مع المحافظين إذا لم يُطوَ الملف النووي.
وأما الأسوأ، فهو أن العرب في كلا الحالين، باتوا شهوداً بلا هوية… إلا من «الفتنة». مع الصفقة الكبرى لا بد من توقُّع مواجهات محسوبة، لفرز مناطق النفوذ، وبلا الصفقة ستفتح طهران أبواب المعركة مع الأميركيين على مصراعيها، والمعيار مزيد من الخراب للعرب. ومزيد من دماء الباحثين عن هوية.