معركة استعادة تدمر من داعش تحت المظلة الروسية كشفت ما التقت سياسات ومصالح مختلفة على تغطيته: تنظيم الدولة الاسلامية ليس أسطورة عسكرية، بحيث يبدو إخراجه من المدن مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. وهي أسطورة ساهمت في الترويج لها ثلاثة عوامل. أولها سهولة دخول داعش السريع الى الرقة والموصل بما يشبه قطع الزبدة بالسكين واحتلال مساحات واسعة من سوريا والعراق. وثانيها توظيف صعود داعش في خدمة أجندات لقوى محلية واقليمية ودولية، بصرف النظر عن الأجندة الخاصة به. وثالثها جاذبية الخلافة لشباب مؤدلج أو قابل للتجنيد والقيام بعمليات ارهابية في بلدان المنطقة وأوروبا، بحيث صارت الأولوية في محاربة داعش لمواجهة فروعه والمنتسبين اليه، كما كتب البروفسور في جامعة جورجتاون دانيال بايمن في مقال نشرته فصلية فورين أفيرز.
ذلك ان أميركا التي تقود التحالف الدولي لمحاربة الارهاب تحدثت عن حرب تستغرق سنوات طويلة وربما عقوداً تحت عنوان استراتيجية إضعاف داعش ثم القضاء عليه.
وهي لعبتها بطيئة في العراق على أساس ان القوات العراقية التي انهارت في الموصل ليست جاهزة تماماً، وان العملية السياسية ناقصة. ولعبتها أبطأ في سوريا بحجة الافتقاد الى شريك محلّي يعمل على الأرض تحت الغطاء الجوي للتحالف. والقوى الاقليمية الداعمة للمعارضة ضد النظام راوحت بين اعلان الحرب على داعش وبين دعم البعض له. والنظام وحلفاؤه الاقليميون أعطوا الأولوية للمعارك مع المعارضة المسلحة في جغرافيا سوريا المفيدة موحين ان المعركة مع داعش يمكن أن تنتظر. والروس الذين قاموا خلال أشهر بآلاف الطلعات الجوية خصصوا ١٠% منها لمواقع داعش، قبل أن تدق مؤخراً ساعة تدمر.
ومن الطبيعي أن يتحدث الرئيس فلاديمير بوتين عن أهمية استعادة تدمر ويهنئ الرئيس بشار الأسد بنجاح العملية. كذلك ان تعمل دمشق على توظيف النجاح سياسياً عبر القول بلسان الدكتور بشار الجعفري ان التحالف الذي تقوده أميركا لم ينجح في ضرب داعش لأنه لم ينسق مع الجيش السوري، ثم عبر عرض التعاون مع واشنطن في اطار التحالف ضد الارهاب. لكن الكل يعلم أنه ليس أهم من استعادة تدمر سوى أن تأتي الاستعادة في اطار التقدم على طريق الحل السياسي وانهاء الحرب. فالانتصارات في ظل الأزمة السياسية واستمرار الحرب، تبقى محدودة التأثير وقابلة لتبدل المواقع. والمحور العسكري في الحرب ضد داعش وكل منظمات الارهاب يحتاج، برغم أهميته وأولويته، الى معارك على المحاور السياسية والثقافية والفكرية.
والامتحان الأول بعد تدمر في جنيف.