بعدما أشاد اللبنانيون وقادتهم على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم بقدرة الجيش على التصدي للمسلحين التكفيريين والارهابيين في عرسال وطرابلس وعكار ومناطق أخرى، وبقدرته على التصدي أيضاً لأي عدوان اسرائيلي بعدما تم توقيع اتفاق زيادة عديده وعدّته بتمويل سعودي، فهل تبقى حاجة إلى سلاح يحتفظ به هذا بحجة الدفاع عن النفس وذاك بحجة التصدي لاسرائيل؟
هذا السؤال طُرح غداة الاعتقالات التي جرت في منطقة الشمال ضد أشخاص متهمين بالاعتداء على الجيش أو بالانتماء إلى تنظيمات تكفيرية وارهابية، ومصادرة أسلحة وقنابل وصواريخ معدّة للقيام بأعمال عنف، وتفخيخ سيارات، ما جعل بعض السياسيين ورجال دين ووزراء يتساءلون: لماذا لا تطبق الدولة في الضاحية الجنوبية وفي البقاع ما يطبق في طرابلس وعكار، لا أن تظل الدولة تكيل بمكيالين وتجعل الصيف والشتاء على سطح واحد، وتميز بين سلاح وسلاح، فيكون سلاح بزيت وسلاح بسمنة، ويرد على هؤلاء سياسيون وحزبيون آخرون باعلان رفضهم المساواة بين سلاح يقاتل اسرائيل ويقف مع الجيش في تصديه للتكفيريين والارهابيين وسلاح يدافع عن هؤلاء أو يشكل بيئة حاضنة لهم.
الواقع ان الدولة عندما تصبح قادرة على حماية كل أبنائها والتصدي لكل معتدٍ على حدودها أو معكّر لأمنها الداخلي، فإنه لا يعود من حق أي فئة أن تحمل السلاح تحت أي ذريعة، سواء للدفاع عن النفس والادعاء بأن لا ثقة لها بقدرة الدولة على حمايتها مستشهدة بما جرى في 7 أيار 2008 وغيرها من أحداث غابت عنها وتركتها وحدها في مواجهتها، وسواء بقول فئة أخرى إنها تحمل السلاح لمقاومة اسرائيل لأن الدولة عاجزة وحدها عن ذلك.
إن تنفيذ الخطط الأمنية في كل منطقة من المناطق اللبنانية يتطلب تطبيق إجراءات واحدة على الجميع سواء لجهة مصادرة الاسلحة والذخائر من الافراد أو المخبأة في مستودعات، وسواء باعتقال المخالفين والمرتكبين والمطلوبين للعدالة، لأن تنفيذ الخطط في مناطق باعتماد إجراءات معينة وعدم تنفيذها في مناطق أو باعتماد إجراءات مختلفة فيها، من شأنه أن يثير نقمة من يرون ان الدولة تميز بين رعاياها ولا تعاملهم بالعدل والمساواة، وهذه النقمة قد تحوّل البعض بيئة حاضنة لمجموعات مسلحة أياً تكن هويتها وأهدافها، لا حباً بها إنما انتقاماً من الفئة التي تضطهدها وتظلمها ولا تفعل الدولة شيئاً…
هذا الشعور لدى فئة لبنانية بدأ عندما حملت فئة السلاح بذريعة مقاومة اسرائيل، فردَّت أخرى على ذلك باقتناء السلاح بذريعة الدفاع عن النفس. وعندما أخذت الدولة تلاحق مطلوبين للعدالة من دون ملاحقة من هم مطلوبون مثلهم في فئة أخرى، طُرح في أوساط سياسية وحزبية السؤال الآتي: هل من مصلحة الوطن والمواطن الا يكون وجود للدولة في مناطق إذا لم تكن موجودة في مناطق أخرى، أم ينبغي أن تكون موجودة حيث تستطيع في انتظار أن تصبح موجودة حيث لا تستطيع؟ فاذا كانت المظلة التي تقيك المطر مثقوبة، هل ترميها أم من الأفضل ابقاؤها؟ هذا ما ينظر اليه أحزاب وسياسيون يريدون أن تكون الدولة موجودة في مناطقهم وإن تعذّر عليها أن تكون موجودة في مناطق أخرى تحقيقاً للعدالة والمساواة بين جميع المناطق. وترى أحزاب وسياسيون آخرون أنه يجب التمييز بين سلاح وسلاح، ففي مناطق يوجد سلاح يقف مع الدولة، وفي مناطق يوجد سلاح ضدها وضد الجيش.
لذلك فان اختلاف النظرة بين سلاح وسلاح يجعل الدولة غير قادرة على تطبيق القانون بعدالة ومساواة بين الجميع وفي كل المناطق كي لا يشعر أحد ان فيها أبناء ست وأبناء جارية، منهم من يصادر سلاحه ويعتقل ومنهم من لا يصادر سلاحه ولا يعتقل. وإذا كانت الدولة نجحت في تنفيذ خطتها الأمنية في طرابلس وفي عكار فلأنها كانت في مواجهة مجموعات مسلحة لا خلاف على مواجهتها بشدة لأنها تشكل خطراً ليس على الدولة فقط إنما على الوطن وعلى كل المواطنين. ولكن عندما تواجه الدولة فئة لبنانية لأنها خارج القانون ولا تواجه فئة أخرى مثلها، فهنا المشكلة التي لا حل لها إلا إذا صار اتفاق بين اللبنانيين وقادتهم على أن يكون في لبنان دولة قوية قادرة وعادلة لا دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. وعندما تقوم مثل هذه الدولة لا تعود ثمة حاجة الى سلاح خارجها بحجة مواجهة اسرائيل، ولا الى سلاح للدفاع عن النفس بالاعتماد على الأمن الذاتي، إنما الاعتماد على سلاح واحد هو سلاح الدولة الذي يحمي الجميع ويرد أي اعتداء عن الجميع، وعندما يتم تعزيز الجيش عديداً وعتاداً بتنفيذ الاتفاق بين فرنسا والسعودية يتحقق ذلك