IMLebanon

ما بعد رفح… “الحزب” أوّلاً

 

يُصرّ «الممانعون» على أنّ العدوّ الإسرائيلي مهزوم، ويبررون إقدامه على اجتياح رفح بسبب تفاقم خسائره حيال البطولات الأسطورية للأذرع الإيرانية، وبما لا يترك له مجالاً إلا مواصلة جرائمه في خطة مكشوفة للهروب إلى الأمام.

 

ويعمى هؤلاء عن أنّ حركة «حماس» وصلت إلى حائط مسدود، لأنّها تواجه وحدها، ولم ينفعها رهانها على الضغوط الدولية لوقف إجرام العدو الإسرائيلي، سواء لعدم رغبة المجتمع الدولي بتوسيع الحرب، أو بسبب الإحراج الذي تتسبب به آلة القتل الإسرائيلية المجرمة بفعل مجازرها بحقّ المدنيين، ما يؤدّي إلى تفاعل ردود الفعل في صفوف مواطني الدول الغربية، مع تطورات حركات الإحتجاج في الجامعات الأميركية والفرنسية وغيرها، وكذلك حاجة الإدارة الأميركية للتفرّغ لانتخابات الرئاسة، عوضاً عن إنشغالها في أحداث الشرق الأوسط.

 

إلا أنّ هذه المراهنة أغفلت أنّ المجتمع الدولي ينظر إلى «حماس» باعتبارها حركة تطرّف تصيبه بداء الإسلاموفوبيا، لا سيّما بعد عملية «طوفان الأقصى». وعبارة «تحرير الرهائن» تترافق إن لم تسبق، عبارة «وقف إطلاق النار»، بالتالي ليست القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني بدولة وتقرير مصير هي سبب التحرّك الشعبي والطلّابي في الدول الغربية، لكن الدفاع عن المدنيين ومحاولة حمايتهم من إبادة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية.

 

بالتالي الرهان على تشويه صورة إسرائيل عالميّاً لقلب الموازين، مع ارتفاع منسوب الدم المهدور للأبرياء المدنيين، لن يتيح لـ»حماس» تحقيق انتصار وتعويم وجودها واستمرارها في دورها الممانع، ولن يكون قبولها بالهدنة، وفي اللحظة الأخيرة تجنّباً لاجتياح رفح، باباً لخلاصها وعودتها إلى السلطة في غزّة، لتؤدي الدور المطلوب منها إيرانيّاً، على حساب الفلسطينيين ودمهم المهدور.

 

فالواضح أنّ إسرائيل ومعها المجتمع الدولي قرَّرا عدم التوقّف حتى تغيير المعادلات التي كانت قائمة قبل السابع من تشرين الأول 2023، ليس فقط في غزّة، وإنّما في الضفّة الغربية وجنوب لبنان وسوريا واليمن، وأينما تتطلّب مصالح أصحاب القرار ذلك. ولن تفيد التنازلات مع بدء اجتياح رفح، فالتفاوض بالنّار لن يعطي مفاعيل إيجابية لمصلحة الممانعة، إذا ما سقط المعقل الأخير لحركة «حماس»، لأنّه سينسحب على المعاقل الأخرى ويجرّ ويلات، لن يكون لبنان على وجه التحديد بمنأى عنها.

 

ولعلّ ما تسرّب عن تحذير مسؤولين إيرانيين لإسرائيل منبته تلمّس الخطر المقبل، لذا رفعوا شعار «حزب الله أولاً»، بصفته الحليف الأساسي لطهران، وسارعوا إلى التهديد بأنّ «الحزب» ليس «حماس» والجنوب اللبناني ليس غزة. وفي هذا التحذير تسليم وقبول بهزيمة «حماس»، شرط توقّف إسرائيل عند هذا الحدّ، حتّى لا تخسر إيران المزيد من الأوراق، لا سيّما أنّ هزيمة «الحزب» تعني فقدانها لنفوذها وانحسار دورها، بحيث تصبح مسألة تخفيض تخصيبها اليورانيوم، وتقيُّدها بالحدود المرسومة في الإتفاق النووي عام 2015، أصغر همومها.

 

فالواضح أنّ ما بعد رفح لن يكون كما قبله، الّلهم إلّا إذا كانت لعبة توزيع الأدوار هي السائدة. ودور إيران بدأ مع دفع «حماس» إلى عمليتها الإنتحارية، ومن ثمّ إبرام صفقة على حسابها وحساب غزّة، وبعد ذلك «العمل لخفض التصعيد في المنطقة ودعم أيّ تسوية لوقف الحرب، أو أيّ اتفاق ومسار لحلّ القضية الفلسطينية تنال موافقة الشعب الفلسطيني»، شرط ترتيب وضع «حزب الله»، بحيث يبقى الحاكم بأمره في الساحة اللبنانية، لمصلحة استمرارها في مصادرة السيادة للإمساك بقرار البلد، والذراع الأقوى إقليميّاً لتعتمد عليه في تكريس نفوذها، حتى لو تطلبت هذه الصفقة إنسحابه إلى شمال الليطاني. حينها تكون التضحية مطلوبة ومثمرة.