مشهد هجوم «التتار» سيتكرّر بالتأكيد بعد الاستقالة، وسيتكرّر الردّ على المشهد الهمجيّ بمشهد حضاري، المؤسف فقط أنّ القوى الأمنيّة والعسكريّة تغيب عندما يحتاج المدنيّون المسالمون إلى حمايتها، كأنّها تتعمّد أن تتركهم فريسة الأيدي الهمجيّة!
لم يعد مهمّاً الحديث عن الاستقالة ولا ما قبلها، المهم الآن ما بعد الاستقالة، المهمّ هو استمرار اللبنانيين محتشدين في السّاحات، وللمناسبة هذه المواجهة لن تكون سهلة خصوصاً في مواجهة منظومة متكاملة من الأكاذيب والفبركات، غوبلز لم يزل حيّاً ونحن في مواجهة فريق يتعاطى مع الواقع بعقليّة غوبلزية مريضة، وقد وضعتهم استقالة الرئيس سعد الحريري في حال تخبّطٍ وارتباكٍ هزّهم بعنف، الآن حصحص الحقّ وبدأت لحظة المواجهة الحقيقيّة، و»ينقبروا يفوتوا بالقزاز» عسى أن لا يبقى منهم مخبّر!
سيدخل لبنان ما بعد الاستقالة نفقاً الأيام السّود، الانهيار الاقتصادي وأزمة الليرة وسعر الدولار ستكون عناوين الأيام المقبلة، سيدفع حزب الله غالياً ثمن اعتقاده أنّه بمقدوره التحكّم بوضع البلد وفرض ما يريد أن يفرضه، وفرض رئيس وحكومة، وستتحقّق أسوأ مخاوفه وكوابيسه، ومن المفيد هنا التذكير أنّ حزب الله وحليفه السياسي الرئيسي التيار العوني هو الذي أوصل اللبنانيين إلى هذه اللحظة الشمشونيّة، لم تعد القمصان السود تخيف أحداً، فهل هناك أهمّ من هذه اللحظة في حياة الشعب اللبناني؟
على حزب الله أن يعي جيداً، أنّ اللبنانيين الذين كسروا هيبة قمصانه السود في الشارع، وأن يتأمّل جداً في مشهد المواجهة بين صبيّة لبنانيّة و»زعرانه» الذين كلّ واحد فيهم «قدّ البغل» وهو يتعرّض لها بالتخويف والترهيب فلا تخاف ولا تهرب وتثبت في الساحة وتواجهه بالنشيد الوطني اللبناني، الشباب اللبناني الذين لم يخجل أحد «الهمج» الذين هاجموا جسر الرينغ وهو يقول «حاملي غيتار ورابطلي شعرو وحاطط حلقة بدينتو»، هذا الشباب هزم همجيّتكم وبربريّتكم، ومسح بصورتكم أرض الساحات بالأمس!
وعلى حزب الله سياسياً أن يعي أنّه خسر «العبّ» الذي يختبىء فيه كلّما انحشر دولياً أو إقليمياً، وهذه المرّة «حشرة» حزب الله لا يحسد عليها، وحسن نصرالله بنفسه قال في إطلالته الأولى التي تحدّث فيها عن واقع الشّارع اللبناني الذي فاجأه بأنّ تشكيل حكومة جديدة قد يأخّذ سنة أو سنتين، وعليه من سوء حظّ العهد ورئيس البلاد ـ الذي استعجل كثيراً منذ ما بعد الانتخابات تشكيل هذه الحكومة (المستقيلة) والتي اعتبرها حكومة عهده الأولى وأنّها انطلاقة العهد، للأسف يبدو أنّ انطلاقة العهد لن تأتي أبداً، فالمتبقّي من هذه الولاية الرئاسيّة نصفها، ووحده أسلوب وتسلّط رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أوصل العهد إلى هذا المأزق، ومن المؤسف أنّ العهد لا يزال متمسكاً به!!
بالكاد ستكون الحكومة المستقيلة حكومة تصريف أعمال، ومن سخرية واقعها أنّها على عجزها الشّديد ستكون في مواجهة أزمات عملاقة تقبل فاغرة فاها كغولٍ مخيف لتبتلع الواقع اللبناني المأزوم… على العهد ومستشاريه ومن معه أن يدركوا أنّ الإصرار على التمسّك بجبران باسيل وزيراً سيطيح بالعماد ميشال عون رئيساً، فليتفضّل صاحب الشأن ويبعد «الصهر» الذي كلّف البلد كثيراً حتى اليوم ولم يترك للعهد صديق من الفرقاء السياسيين بل حوّلهم إلى أعداء، فليتفضّل العهد ويسحب صهره من التداول السياسي، علّ العهد ينطلق أخيراً قبل أن تنتهي ولايته!