حاول «حزب الله» خلال الفترة الماضية إبعاد شبهة مشاركته العسكريّة في العراق إلى جانب الميليشيات الشيعيّة بمؤازرة من الحرس «الثوري الإيراني» وفصائل مُقاتلة أخرى سواء من اليمن أو من أفغانستان، عبر تشييعه لعناصره الذين يسقطون في الداخل العراقي على أنهم «شهداء» سقطوا خلال المعارك التي يخوضها في سوريا، رغم التسريبات التي تخرج من داخل بيئتة التي كانت تتحدّث على الدوام عن مشاركته الفعليّة في الحرب العراقيّة.
من المعروف أن لدى «حزب الله» سياسة يتّبعها منذ خوضه غمار العسكر والسياسة لاحقاً هي سياسة «الصمت«. لا يُعلن الحزب عن أي حالة تتعلّق به مهما كبُر حجمها او صغر إلاّ بعد مضي فترة من الوقت لأسباب لطالما وضعها ضمن إطار الحفاظ على «أمنه الذاتي» تماماً كما تعامل مع تدخّله في الحرب السوريّة إلى جانب النظام هناك، والذي لم يُعلن عنه إلاّ بعد عام تقريباً تحت حجج متقلّبة بدأت بحماية القرى والبلدات المحسوبة عليه مذهبيّاً ثم تطوّرت إلى «حماية» المقدّسات الشيعيّة، إلى ان استقرّت في نهاية المطاف عند حماية النظام السوري بحد ذاته لأسباب قال انها تتعلّق بالحلف «الممانع«.
بالأمس مارس الحزب سياسة الصمت مجدّداً بعد شيوع خبر يتعلّق بمقتل أحد عناصره في اليمن. لا تصريحات مؤكدة ولا نفي قاطعاً خرج عن دائرة إعلام الحزب التي جنّدت كل إمكانيّاتها وجهودها في خدمة للتصويب على دور المملكة العربيّة السعودية ودول عربيّة اخرى في دعمها للشرعيّة في اليمن، وقد جنّد في هذا المجال كل طاقاته الإعلاميّة والماديّة لقلب الصورة وتحويلها من تدخّل شرعي تؤازره الجامعة العربيّة، إلى صراع مذهبي ترسم إيران مشهده بحسب ما تقتضيه سياسة القضم التي تمارسها في المنطقة.
اعتراف «حزب الله» لاحقاً بمشاركته في الحرب اليمنيّة بالتأكيد ستُحدث صدمة كبيرة لدى جمهوره وداخل بيئته، فدماء قتلاه في سوريا والعراق لم تبرد بعد بالإضافة إلى عشرات العناصر والجثث التي ما زالت مجهولة المصير. لكن بإمكان الحزب لاحقاً وربما اليوم أو غداً، اللعب على الوتر المذهبي أمام جمهوره كعادته ليقول إن الحاجة استدعت وجوده في اليمن كما استدعت في السابق أن يكون في العراق وسوريا وربما ليبيا. ويستطيع السيد حسن نصرالله أن يطلّ عبر الإعلام في حال اقتضت الحاجة ليقول إن وجود عناصره هناك له ضرورات مُحدّدة لا تتعدّى مهمّة التنسيق بين النقاط العسكريّة أو الإشراف على تدريب «الحوثيين«، وقد يذهب أبعد من ذلك، فيقول إن أعداد عناصره مع عناصر الحرس «الثوري الإيراني» لا تتجاوز العشرة.
قتيل في اليمن. هو أول غيث مشاركة الحزب في هذه الحرب والآتي قد تكون نتائجه أعظم وأوسع، ومن هنا يُمكن معرفة سبب الهجوم «الهستيري» الذي يشنّه «حزب الله» على السعوديّة والذي يهدف إلى تغطية هذه المشاركة التي تعجز حتّى اليوم رغم دفق السلاح والمال عن تحقيق أي إنجاز يُذكر سوى تلك المجازر والسرقات التي ترتكبها الجماعات الموالية له تماماً كما امتهنت جماعاته في العراق وسوريا.
اليوم بدا أكثر من أي وقت مضى وبشكل واضح ومُعلن أن «حزب الله» يسير بملء إرادته أو مُرغماً ربما إلى الهاوية وهو يأخذ معه في طريقه هذا كل أبناء طائفته في لبنان والعالم العربي من دون أن يستأذنهم أو أن يأخذ برأيهم، وهو الذي يحمل «مجلس الشورى» المجلس الأهم في تركيبته الدينيّة شعار «واجعلوا امركم شورى بينكم»، لكن يبدو أن لهذا الشعار خصوصيّة في التطبيق تأخذ في الإعتبار أهميّة وجود «الولي الفقيه» الذي لا تخضع سلطته لا للمناقشة ولا للاعتراض.
بالأمس كانت التكهّنات حول اسم العنصر الذي سقط في اليمن محل أخذ ورد داخل بيئة «حزب الله«. البعض عاد إلى تصريح كان أعلنه منذ أيام المتحدّث العسكري بإسم «عاصفة الحزم» العميد الركن احمد عسيري قال فيه « إن الحكومة اليمنية أظهرت أدلة تشير إلى أن «الحوثيين» تلقوا أسلحة من إيران، وإن «حزب الله» اللبناني يشارك في تدريب الحوثيين«.
البعض الآخر لم يُفاجأ بمشاركة الحزب في الحرب اليمنيّة وكان يتوقعها. لكن هناك فئة مُقرّبة بشكل كبير من الجناح الامني لـ»حزب الله» وصلت في معلوماتها إلى الدخول في أسماء بعض هذه العناصر، فتحدّثت عن مجموعة من الكوادر العسكريّة توجّهت منذ أسابيع إلى اليمن تضم «م. ع.« المعروف بـ»مجاهد» وهو أحد الوجوه البارزة في «المقاومة الإسلاميّة«.