أخذ قانون الانتخابات النيابية الجديد، كما أقر في جلسة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري أول من أمس الاربعاء، طريقه الى مجلس النواب، ليصوت عليه اليوم الجمعة، «بمادة وحيدة» وفي «جلسة خاصة» و»مختصرة»، على خلفية «ان هذا القانون هو نتيجة اتفاق القوى السياسية، التي شاركت في صياغته..» وقد مدّد مجلس النواب لنفسه أحد عشر شهراً، مرفقاً بقانون الانتخاب، ليتسنى للادارات المختصة والمعنية اتخاذ الاجراءات التنفيذية المطلوبة، والتي ستكون «بالغة الأهمية والدقة والصعوبة» على ما يرى المعنيون، الأمر الذي دعا وزير الداخلية نهاد المشنوق الى طلب مساعدة «الاتحاد الاوروبي» بالنظر لما لدى «الاتحاد» من «خبرات تقنية ولوجستية..»، وقد بدأت الوزارة «ورشة تقنية من أجل وضع كل الترتيبات لتنفيذ مضمون القانون الجديد..».
الجلسة النيابية ستكون «مختصرة».. على الرغم من ان البعض لديه ملاحظات تطاول العديد من التفاصيل في القانون الجديد، «أساءت لمبدأ النسبية ولدورها..» إلاّ ان مواقف «الأفرقاء الأساسيين» تقاطعت عند نقاط «ايجابية» عديدة، من بينها ان انجاز هذا القانون سجل خرقاً بالغ الأهمية، حيث اعتمدت النسبية الكاملة، للمرة الأولى في لبنان، وهو انجاز ساعد على تخطي ثلاثة مخاطر أساسية تتمثل في «الفراغ» الذي كان يهدد «المؤسسة التشريعية الأم»، او «التمديد»، وذلك على الرغم من ان التمديد الثالث حصل حتى ايار 2018، او العودة الى «قانون الستين» الذي أجمع الأفرقاء كافة – أقله في الظاهر – على رفضه، من دون ان يغفل ذلك العديد من الملاحظات «السلبية» التي سجلت ومن بينها غياب ما سمي بـ»الكوتا النسائية» الأمر الذي دفع البعض الى التأكيد على «ان اغفال الكوتا النسائية هو أسوأ ما يكون في هذا القانون..»؟! في وقت رأى فيه خبراء ومختصون واجتماعيون مسألة «ممتازة» لأن ذلك لم يخالف الدستور ولم يفرّق بين امرأة ورجل في الحقوق والواجبات.. إضافة الى «عدم التوازن» حيث ان هناك نواباً سيفوزون بـ13 الف صوت وآخرين لا يمكنهم ذلك بأقل من خمسين الفاً.. ناهيك بأن التقسيمات أدت الى تهميش الاحزاب والقوى والتيارات والجماعات غير الطائفية وغير المذهبية التي ستجد نفسها، وهي الموزعة على كامل الاراضي اللبنانية، في شبه عزلة إذا لم تبرم صفقات مع القوى ذات الطابع الطائفي والمذهبي.
في قناعة البعض، أنه وعلى أهمية الانجاز الذي تحقق، فإن من تحدث عن «تصحيح التمثيل» وقع في فخ التقسيمات الادارية وتوزعها على النحو الذي حصل الأمر الذي كشف عن ان من كان يتحدث عن التصحيح هذا كان يتحدث من خلفية طائفية، ومن كان يشكو من سيطرة فريق او أكثر على فريق آخر كان يتحدث من منطلق طائفي، ومن كان يتحدث عن أنه مهدد بوجوده، أيضاً كان يتحدث من خلفية طائفية.. «ما جعل الأمور تأخذ منحى أكثر سلبية» على ما قال عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر.. وقد حملت الأمور أكثر مما تحتمل، وشكلت ثغرة في صلب القانون الجديد..؟! قد يكون من المبالغة، او سابقاً لأوانه القول «إن القانون الجديد سينتج تنوعاً سياسياً جديداً»، او على الأقل «سيقود الى إحداث خروقات، تتيح الفرص أمام مرشحين من خارج «المحادل» و»طبقة الأثرياء» والمدمنين التقليديين.. خصوصاً وقد أقرت النسبية الكاملة بالصيغة التي تمت بها، وبالتفاصيل المشكو منها والتي كانت بمثابة اغراء بالغ الأهمية ليعود معارضو النسبية عن اعتراضاتهم ويبصموا بالعشرة على القانون..
ليس من شك في ان ما حصل من تفاهم على مشروع قانون الانتخاب الجديد، على أساس النسبية الكاملة هو أمر جيد وبالغ الأهمية.. ونقطة الضعف الأساسية هي في الخمس عشرة دائرة وطريقة توزعها واحتسابها.. هو أمر جيد «لجهة ضرورة التوافق السياسي» لاسيما وان الأزمة السياسية الكبيرة، والمتعددة العناوين، التي يعيشها لبنان، لم تبدأ اليوم.. حتمت مراجعات نقدية لدفع «البلاء الأكبر» عن البلد و»أنقذت لبنان من الفراغ السياسي والمؤسساتي، بعدما بلغت الخطورة حداً لا يمكن السكوت عنه..».
ومع هذا، فإن غير معني وأكثر من خبير يرى ان «ما اشتمل عليه القانون من تفاصيل، سيؤدي الى الكثير من التعقيدات التطبيقية والتحضيرية..» اضافة الى ان الصوت التفضيلي على النسبية سيجعله صوتا مذهبياً – طائفياً بامتياز في الدوائر ذات الاختلاط الطائفي والمذهبي.. هذا عدا عن ان «التنافس على الصوت التفضيلي داخل اللائحة الواحدة، وفي ما بين اللوائح المتنافسة سيفتح الباب واسعاً للرشوة وشراء الأصوات التفضيلية، بشكل لا يمكن ضبطه» على رغم البطاقة الممغنطة..
ما حصل قد حصل.. وليس هناك من اشارات دالة على ان مجلس النواب في جلسته اليوم، سيتعمق في النقاشات ويعيد قراءة بعض البنود في القانون، وقد أقر على ما نقل عن الرئيس نبيه بري «بالتوافق بين سائر القوى السياسية والكتل النيابية، التي تراجع البعض منها عن تمسكه بالنظام الأكثر، او النظام المختلط الجامع بين الأكثري والنسبي.. ليسلم بالنسبية الكاملة..
لبنان أمام مرحلة جديدة، فما سيكون بعد اقرار قانون الانتخابات الجديد، ليس بالضرورة – ان يكون نسخة طبق الأصل عما قبل ذلك.. والقوى السياسية تستعد للمرحلة الآتية وقد كان شهر رمضان المبارك والافطارات المتزاحمة فرصة للاطلالة على الناس واعلان البرامج.. وذلك على رغم ان التحالفات السياسية لم تتبلور نهائياً بعد، وكل فريق يدرس خياراته.. يبقى الرهان على «ذاكرة الناس»، وعلى مدى صدقية التزام الافرقاء السياسيين بما يعدون به وقد دلت التجارب السابقة «ان ليس كل ما يتمناه اللبنانيون يدركونه..»؟!