IMLebanon

ما بعد الاغتيال التداعيات الجيو ـــ سياسيّة

هل يمكن القول انها صدفة؟ بالطبع كلاّ. هل هي خارج الاطار الجيو – سياسيّ وديناميّته؟ ايضا كلاّ. إنها لعبة جيو – سياسيّة كبيرة جدأ، سوف تُحدّد حتما شكل وتركيبة النظامين الاقليميّ والعالميّ. كلّ شيء مرتبط بحسابات الربح والخسارة، كما النتيجة التي ستسفر عنها هذه اللعبة. لكن الاكيد، انها في بداياتها، وهي طويلة ومُكلفة جدّا.

وبالرغم من الخسارة الكبيرة التي مُني بها «حزب الله»، فقد يمكن القول ان عمليّة الاغتيال هي تفصيل تكتيّ، من ضمن الصورة الاستراتيجيّة الكبرى.

فالسيّد حسن نصر الله، قبيل الذهاب علنا الى الحرب في سوريا الى جانب النظام، كان يعي حتما حجم الجهد المطلوب، ومستوى التضحيات، كما المخاطر الكبيرة على الحزب في حال الانكفاء.

السيّد هو فعلا قارئ متميّز لكتاب اللعبة الجيو – سياسيّة التي تدور اليوم في الاقليم. كما ان الحزب لاعب متميّز يتمتّع بقدرات تفوق قدرات اهمّ الدول في المنطقة. اثبتت حرب تمّوز 2006 هذا الامر.

ماذا عن حدث الاغتيال؟

في المكان:

للمكان رمزيّة مهمّة للحزب. كان السيّد قد أكّد هذا الامر في خطاب سابق هدّد به بفتح جبهة الجولان. اعتبر هذا القرار تحوّلا استراتيجيّا كبيرا، فقط لان الجولان هو الجبهة المُلتهبة مع اسرائيل، وليس جنوب لبنان، ولاوّل مرّة، بغضّ النظر عن الحروب التقليديّة بين سوريا واسرائيل.

يتميّز الوضع في هذه المنطقة، بتعدّديّة اللاعبين، اغلبهم غير تقليديّ، لا بل تكفيريّ، وباللعبة المزدوجة التي تلعبها اسرائيل.

تُعتبر المنطقة للنظام، كما للحزب، مهمّة جدّا، لانها تُمسك الـ «كوريدور» الممتدّ من جبل العرب، الى عرسال مرورا بالقنيطرة، الزبدانيّ، وكلّ ما يتعلّق بالبقاع الشرقيّ. خسارة المنطقة تعني خسارة منطقة القلمون، كما عزل العاصمة دمشق.

واخيرا وليس آخرا، ان سيطرة الحزب على منطقة الجولان – القنيطرة، تعطي الحزب ليونة كبيرة. فهو يُثبّت اسرائيل على الجبهة اللبنانيّة، ويستنزفها على جبهة الجولان والتي تُعتبر الآن، كأنها المُتنفّس. وما لا يمكن للحزب تنفيذه من جنوب لبنان، بسبب «الستاتيكو» القائم، ومع وجود قوات «اليونيفيل»، يذهب الحزب الى الجولان للقيام بما يستلزم، بسبب القدرة على التملّص من المسؤوليّة ـــ استراتيجيّة فكّيّ الكماشة.

في الاغتيال:

ليست المرّة الاولى التي تغتال فيها اسرائيل كوادر من المقاومة بشكل عام. فالطريقة هي هي، منذ السيد عبّاس الموسويّ، وحتى الآن. الاغتيال المُنظّم، المُوجّه (Targeted Killing). تحتاج هذه المقاربة الى دراسة الآخر، معرفة نقاط ثقله وتركيبته القياديّة، سياسيّة كانت ام عسكريّة. وهذا الامر يتطلّب استعلاما استخبارتيّا متقدّما، ومُستديما، كما عمليّات تحليل لهذا الاستعلام. تظّهرت لدى «حزب الله» بعض الشقوق في تركيبته مؤخّرا، بعد الكشف والاعتراف بوجود عملاء داخل صفوفه. ويعود سبب هذا التشقّق، الى الحركيّة الكبيرة التي يقوم بها الحزب بعد الانخراط في الحرب السوريّة. ترتفع مستوى الهشاشة مع كثرة التحرّك.

في المسؤولين – شهداء الحزب:

يعتبر العدد كبير نسبيّا. كما التنوّع بين لبناني وايراني، الامر الطبيعيّ والذي يعكس نوعيّة اللاعبين، في اللعبة الكبرى.

اما نوعيّة الاشخاص، فهي من قيادات الصفّ الاوّل، مع رمزيّة خاصة لنجل القيادي الكبير في «حزب الله» الحاج عماد مغنيّة، والذي ايضا اغتيل على يد اسرائيل كما عرفنا.

يأخذنا هذا الامر ـــ نوعيّة القيادات ـــ الى القول، او بالاحرى التساؤل عما كانوا يحضّرون له هناك، الامر الذي قد يأخنا تحليلا الى الاحتمالات التاليّة:

÷ التحضير لعمليّة كبرى، ردأ على اغتيال القياديّ الحاج عماد مغنيّة ـــ من هنا سبب تواجد نجله.

÷ الاستطلاع والتحضير لعمليّة ضد الجهاديّين هناك لقطع التواصل بينهم وبين منطقة القلمون، الامر الذي يستبق التحضير العسكريّ الاميركيّ للمعارضة، والتي من المحتمل ان تبدأ من جنوب سوريا ضدّ النظام بعد اكتمال اعدادها.

÷ وأخيرا وليس آخرا، الاستطلاع الروتينيّ العاديّ، لان الحزب متواجد هناك. لكن السؤال يبقى لماذا هذا العدد من قيادات الصفّ الاوّل متواجد في منطقة واحدة، وضمن موكب واحد؟ لماذا هذا الاسترخاء في الامن العملانيّ للقيادات؟ على كلّ، الاكيد ان دليل تواجد قيادات عسكريّة وامنيّة من الصف الاوّل، يعنيّ حتما ان الامر الذي كان يُحضّر هناك هو من نفس المستوى.

في التوقيت:

أتى الاغتيال بعد عدّة ايّام من اعتراف الحزب بوجود عملاء داخل صفوفه، وبعد تهديد السيّد بالردّ في حال تعرّض سوريا لأيّ اعتداء اسرائيليّ.

قد يكون الامر صدفة، اي التزامن في الاحداث، لكنّ العلمين العسكريّ والاستخباراتيّ يقولان بضرورة التنفيذ عندما تتوفّر الفرصة المناسبة، اي عمليّة الاغتيال. لكننا في التحليل، لا يمكن لنا تجاهل هذا التزامن.

في مرحلة ما بعد:

بعد الاغتيال ليس كما قبله. التصعيد سيكون سيّد الموقف. لكن الانتقام، وكما يُقال، هو وجبة من المُفضّل ان تُقدّم باردة: اي الانتظار، تمرير المرحلة، وبعدها مفاجأة الآخر.

في احتمال الردّ:

ثلاثة مسارح ممكنة للرد على اسرائيل، وهي:

÷ المسرح اللبنانيّ، وله تعقيداته لانه يعني تخلّي الحزب عن استراتيجيّة فكيّ الكماشة، وبالتاليّ فتح جبهتين على نفسه. كذلك الامر، من الحتميّ ان يأتي الردّ بحجم الخسارة، والساحة اللبنانيّة ليست جاهزة اليوم.

÷ المسرح الدوليّ، وهذا امر ايضا له تعقيداته بسبب الانفتاح الايرانيّ على الغرب مؤخّرا، كما الحملة على الارهاب (القاعدة وداعش) ان كان في فرنسا او في بلاد الشام.

÷ اما المسرح الاخير والاكثر احتمالا فهو داخل فلسطين المُحتلّة، وذلك بسبب:

} توفّر الاهداف المهمّة، السياسيّة كما العسكريّة.

} توفّر الارضيّة الخصبة ضدّ اسرائيل، كما القدرة على التخطيط، التنفيذ وتوفّر اللوجستيّة.

} قدرة الحزب على الانكار، حتى ولو اراد ان تعرف اسرائيل ضمنا انه هو المستفيد ــ المُنفّذ.

(]) خبير استراتيجي