Site icon IMLebanon

ما بعد وعد بلفور.. ما بعد «داعش»!

 

أشهر عدة فصلت بين اتفاقية سايكس ـ بيكو ووعد بلفور. تَزاوج الحدثان في الزمن والتنفيذ، غيَّرا وجه الشرق الأوسط، خصوصاً الشرق العربي منه. بعد ثلاث سنوات، يكون قد مضى على الوعد الذي «أعطى من لا يملك الى من لا يستحق»، والاتفاق الذي «قسّم من لا يملك، وأخذ ما ليس له»، مئة عام.

قام شرق أوسط جديد، دون الأخذ برأي من يملك هذا الشرق. المصالح هي التي رسمت الحدود وسَمت الدول.

لم يأخذ أحد بعين الاعتبار وغياب طموحات شعوب المنطقة التي شاركت في القضاء على «الرجل المريض» أي الامبراطورية العثمانية بالتحرر، وكانت أن قامت اسرائيل، وتشكلت حدود العراق وسوريا ولبنان، ووزعت كردستان الكبرى على اربع دول في هذا الشرق الجديد. زرع البريطانيون والفرنسيون «مسماراً» في كل دولة، تجعل من إطلالتهم وتلاعبهم على دواخل كل «بيت» ضرورياً وفي أحيان كثيرة مطلوباً. انضمام الولايات المتحدة الأميركية الى بريطانيا وفرنسا، فعل «وراثة» نتيجة للتحولات والمتغيرات في القدرات والامكانات.

خلال هذه العقود، وقعت حروب كبيرة بين الكيان الغاصب مع العرب واستمر اغتصاب فلسطين. وقامت ثورات وشبه ثورات، وعشرات الانقلابات العسكرية. وعاش العرب أحلام الوحدة العربية وكأنها واقع مع جمال عبد الناصر، وأثمر البعث نظامين فاشيين مع حافظ الأسد وصدام حسين. وبدلاً من أن يكون الاسلام إسلام الاعتدال «الأفغاني« ومحمد عبده وغيرهما، حل الاسلام الأصولي وتطور حتى وصل الى الطالبان في أفغانستان ويده الدولية الضاربة أسامة بن لادن.

هذا الفشل، وهو نتيجة فشل كل الأنظمة العروبية والاسلامية، في بناء المجتمع المدني، وفي تقوية وتنمية الطبقات المتوسطة التي تشكل العمود الفقري لهذا المجتمع. والأسوأ في إغراق هذه المجتمعات في فساد أنظمة لم يسبق أن شهد العالم مثلها. وقد دفعت هذه الأنظمة نحو إغراق شعوبها في الفقر والبطالة وأنظمة تعليمية لا علاقة لها بالتطور ولا التقدم الذي كان العالم يعيش على وقعه.

العرب أرادوا إسقاط سايكس ـ بيكو لإقامة دولة الوحدة العربية. إلغاء الحدود كان مطلباً وهدفاً. مطلبهم اليوم المحافظة على اتفاق سايكس ـ بيكو بكل تفاصيله الحدودية. ما يعيشه هذا الشرق من انفجار واسع لمجتمعاته مع اطلالة «الربيع العربي«، ليس وليد حركة احتجاجية واحدة. انه انفجار بركاني مختمر منذ عقود. السموم «البركانية» الخارجة، تولد هذا الانهيار نحو «الجحيم«.

«داعش»، وليد حقيقي وطبيعي لحَمل عمره مئة عام. «الساطور» الذي يعمل «داعش» به تقطيعاً للمجتمعات وللحدود، من صلب هذا الانهيار. ما معنى أن يكون عديد «داعش» في حزيران 2014 نحو أربعة آلاف، وحالياً خمسين ألفاً في سوريا وثلاثين ألفا فيً العراق. ليس هذا التضخم في خمسة أشهر نتيجة انتصارات سريعة ولا حصيلة الرعب. ما حصل ويحصل، أن هذه المجتمعات المريضة ذهبت الى أقصى التطرف نتيجة للاحباط واليأس والجهل والعلم الناقص الذي لا علاقة له بالعصر، والغرق في المذهبية والأساطير والخرافات والبدع.

مسؤولية الأنظمة والشعوب العربية، لا تعفي مسؤولية الغرب خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا تقاسم النفوذ والمصالح والثروات، دفعت هذه الدول الى تشجيع الأنظمة الحاكمة على إسقاط مجتمعاتها من حساباتها بالتنمية والتعليم والكرامة والحرية.

الادارات الأميركية المتعاقية، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن المساهمة بقوة في توليد «الارهاب الاسلامي». الأميركيون استثمروا الاسلام الأصولي، في دفع نحو خمسين ألف شاب الى افغانستان للحرب ضد السوفيات، في وقت كانت فلسطين بحاجة لكل واحد منهم، ولكل دولار يصرف عليهم. الاحباط الذي أصاب هؤلاء «المقاتلين» في أفغانستان بعد خروج السوفيات من أفغانستان، واسقاط الأميركيين لهم من كل حساباتهم، أنتج «القاعدة» وبن لادن.

واشنطن ومعها الغرب الذي عاش على وقع حروب «القاعدة» وإرهابه، سيجد أنه بسبب سياسته الحالية في ترك سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين «فرائس» سهلة في حرب بلا أفق وفي مواجهة «داعش». ان إرهاب القاعدة ليس شيئاً. «القاعدة» نفسه «قطع علاقاته بـ«داعش» بسبب «وحشيته» وما يطلق عليه «الاستعصاء سيئ السمعة».

«القاعدة» لم يكن يريد العالم. «داعش» يريد إقامة «الخلافة الإسلامية» على كل العالم، وهو حكماً سيفشل. لكن «ويل للعالم إذا استمر هذا التعامل مع فلسطين والشرق، مما بعد.. «داعش».