IMLebanon

بعد الثلثاء الأسود

حدِّق في عيون أطفال خان شيخون، إنها تديننا جميعاً، ماء سُكِب على أجسادهم الملطخة بالغازات السامة… ماء على جسد البشرية الملطخ بفضائح الهمجية، ورعاة النظام السوري «أبطال» استئصال «الإرهاب».

أطفال ريف إدلب «إرهابيون»؟… أم ضحايا المعارضين حلفاء «داعش»، يقول حُماة «السلام»! «الكيماوي» تسلّل من العراق، والأجساد الصغيرة مجرد جزء من الثمن والعقاب. أليست تلك آخر فضائح الروس الذين لم تردعهم مشاهد المذبحة عن تجديد حمايتهم لنظام ذبح مئات الآلاف من السوريين، وأحال البلد أطلالاً على خراب؟

أليس تضليلاً غبياً تنديد إيران بالمذبحة الكيماوية، وإعلان تعاطفها مع ضحايا حليفها الذي يحميه «الحرس الثوري» والميليشيات؟ مجرد فضيحة أخرى «صغيرة»، تذكير الصينيين بعد كارثة خان شيخون بأن الأولوية هي لمكافحة «الإرهاب».

هؤلاء هم حلفاء النظام الذي صدّق خديعة روّجها عن قتال الأميركيين في خندق واحد معه ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، ليؤدّب المعارضة بالغازات السامة مجدداً. أليس رأس النظام هو الذي عرض على الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحالفاً في الحرب على «داعش»، ليكمل فصول المذبحة الكبرى للسوريين، ويستدرج تعاوناً أميركياً- روسياً لحساب الجلاّد؟

حقق الجلاّد هدفاً جديداً، استدرج سيد البيت الأبيض إلى الاختبار. لكنّ ورطة ترامب مضاعفة قياساً إلى مأزق تردُّد سلفه باراك أوباما. الثاني تراجعَ عن العقاب حين تجاوز النظام السوري «الخط الأحمر»، الأول بات أمام امتحان المحاسبة اليوم لانتهاك «خطوط حمر»، يحصيها الرئيس الأميركي، ويلوّح بردّ.

ولأن سورية باتت «مسؤوليته» بعد المذبحة، يعِدنا ترامب بأننا سنرى العقاب لمن ارتكب جريمة كبرى، ظاناً أنه يتحدى الأميركي لإحراجه، وجرّه إلى حلف التطهير الطائفي- المذهبي.

لن يكون الاختبار سهلاً، ومجرد إعلان واشنطن أن الوقت حان ليعيد القيصر فلاديمير بوتين حسابات حمايته نظام الرئيس بشار الأسد، سيعني أن قواعد تفادي الاشتباك في الأجواء السورية، باتت مهدّدة ومعرّضة لامتحان صمودها في لعبة عض أصابع.

قبل جولة أخرى في جنيف، ليس يسيراً أن يسمع القيصر ترامب وهو يعلن انتزاع الملف السوري من قبضة الكرملين. لن تكون مهمة بسيطة للرئيس الأميركي أن يتراخى في وعده المبطّن محاسبة مَن ارتكب مذبحة ريف إدلب. فترامب ما زال في بداية عهده، وها هو بعدما سئم بوتين انتظار ملامح خريطة السياسة الأميركية الجديدة، يحرّك عربات القطار.

لن يكون سوى نوع من السذاجة، تبسيط التوجّهات الأميركية إلى حد حساب احتمالات المواجهة العسكرية مع الروس في سورية، حيث نشرت واشنطن قوات خاصة. ولن يتردّد بوتين أيضاً في اختبار قدرة ترامب «الشريك» على استعادة هيبة الولايات المتحدة التي بدّدها أوباما. «فيتو» آخر في مجلس الأمن لحماية النظام السوري، جاهز دائماً، فالقيصر لا يحدِّق في عيون ضحايا الضربة الكيماوية.

لكنّ السؤال هو: هل يفعلها سيد البيت الأبيض ويفاجئ العالم؟… عقاب بعد سنوات من الفظائع؟ بعد الثلثاء الأسود الذي أُريد له أن يمهِّد لحلب ثانية في إدلب، لافت أن يستحضر ترامب الاتفاق النووي مع إيران «أساس الفوضى» في المنطقة، حين سئل عن احتمالات الرد العسكري الأميركي على المذبحة الكيماوية. وأما تلويح نائبه مايك بنس بـ «كل الخيارات»، فيبقى على المحك، حتى ساعة الامتحان. وهذه إن تردّدت معها واشنطن، ستصيب إدارة ترامب الطريّ العود في السياسة، بعطب مبكر ومرير، يشلّ قدرتها على جمع أوراق للتفاوض مع القيصر.

فصل آخر أسود في سورية، بعد سنوات من الفظائع؟ سنوات من القتل والذبح ومآسي اغتيال البشرية باقتياد آلاف الأطفال إلى مقصلة الجلاد. حدِّق في عيونهم، قبل أن تحصي الجثث.

لكل مواجهة ثمن، والمؤلم أن للسوريين الحصة الأكبر، فهم دماء المذبحة، وأما وقائع وقف الكوارث فليست أقل إيلاماً.

حدِّق في عيون أطفال المذبحة، قبل أن تحصي الجثث.