يصرّ النظام الإيراني ومعه حليفه النظام السوري على ادعاءات واهية لا يُمكن أن يتقبلها عقل تتعلّق بالحرب في سوريا، وآخر هذه الادعاءات محاولة جديدة يائسة لتبييض صفحات الجرائم التي يرتكبانها بحق الأبرياء والتي جاءت أول من أمس، على لسان قائد “الحرس الثوري الإيراني” اللواء محمد علي جعفري، الذي أعلن أن بلاده سترسل ما سمَّاها “قوات حفظ سلام” إلى إدلب ومنطقة شمال غربي حلب، وذلك بناء على طلب من حكومة النظام السوري. وأشار إلى أن جميع أفراد القوات الإيرانية في سوريا متطوعون وغالبيتهم مستشارون.
هي محاولات جديدة يتبعها النظامان الإيراني والسوري لرفع صفة الإجرام عنهما بعد سنوات طويلة من عمليات القتل والإبادات الجماعية بالإضافة إلى التصفيات التي مارساها بحق المدنيين وبينهم آلاف النساء والأطفال. واللافت أن إعلان جعفري، تزامن مع إعلان روسيا عن فشل عمليات التفاوض مع فصائل المعارضة السورية في إدلب، ليتضح الأمر وفق العديد من المحللين السياسيين، بأن الخطوة هذه قد تم الإعداد لها بين إيران وروسيا وهي تُنبئ بخطوات تصعيدية سيقوم بها النظام الإيراني في مدينة إدلب خلال الأيام المقبلة.
على الرغم من النفي الروسي لأي معركة عسكرية يُمكن أن تحصل في إدلب خصوصاً وأن الجهود الروسية ـ التركية لإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري ما زالت قائمة، إلا أن أهالي إدلب عبروا عن تخوفهم من عملية عسكرية بريّة كبيرة قد يؤسس لها النظام السوري مع مطلع رأس السنة بدعم إيراني. وقد حذّر الأهالي من عمليات إبادة قد ترتكبها طائرات النظام تسبق العملية البرية المرتقبة. وعلى الخط نفسه، حذرت الأمم المتحدة من الوضع في إدلب، مشيرة إلى أن ثلاثة ملايين امرأة وطفل ورجل، في إدلب، معرضون للخطر، في حال تفجر القتال في المنطقة، وطالبت بتفادي التصعيد والعودة إلى المفاوضات.
بعض وسائل إلإعلام الإيرانية وتحديداً الرسمية، وفي محاولة منها لطمأنة المجتمع الدولي إلى عدم وجود أي تدهور للوضع في إدلب في ظل المفاوضات القائمة، أكدت أن إيران غير معنية بأي تصعيد ما لم يطلب منها النظام السوري المساعدة، لكن وسائل إعلام روسية نقلت عن مصادر عسكرية في صفوف النظام السوري، وجود تجهيز لعمل عسكري كبير في جنوب إدلب، في حال استمر تصعيد الفصائل المسلحة. وهو ما سبق واعتبره الحرس الثوري مؤشراً لمقابلة التصعيد بتصعيد مماثل، لكن وسط تأكيده على “إعطاء فسحة من الوقت للمفاوضات القائمة” قبل اللجوء إلى أي عمل عسكري.
بالعودة إلى “قوات حفظ السلام” التي سترسلها إيران إلى إدلب، ثمة أسئلة كثيرة بدأت تُطرح حول الدور الذي ستقوم به هذه القوى والمناطق التي سوف تدخلها، بالإضافة إلى الصلاحيات التي ستُمنح لها. في هذا السياق، خرجت العديد من المواقف في المدينة، لتندد بهذا القرار، داعية المفاوضين الروسي والتركي إلى كفّ يد إيران عن سوريا وعدم السماح لها بالقيام بدور مشبوه، لن يحقق سوى مزيد من الدمار والخراب والقتل. وقد حذّر الاهالي أيضاً، من ان هناك مئات الأطفال، معرضون لأمراض عدة وأن دخول إيران إلى مناطق في إدلب، سوف يُصعّب عملية حصول هؤلاء الأطفال على الدواء والغذاء، مع تذكير ببلدات عديدة سبق أن تعرضت للأمر ذاته، مثل حلب ومضايا والزبداني وبعض قُرى القلمون.
العمليات التي يتحضر النظام السوري لتنفيذها في إدلب، إنعكست سلباً عليه في ريف اللاذقية أمس، فقد خسر النظام ما لا يقل عن ثمانية عشر عنصراً خلال عملية نوعية نفذتها الفصائل المسلحة في منطقتي كتف حسون وتلة بركان، وذلك من خلال عملية تسلل إلى داخل مواقع النظام. وبدورها وزعت مواقع الكترونية تابعة للنظام، صوراً للجنود الذين قُتلوا في ريف اللاذقية، مع ردود وعبارات توعدت بالثأر من إدلب وأهاليها في القريب العاجل، مع نشر صور لبعض الضبّاط العسكريين في صفوف جيش الأسد، ارتكبوا العديد من الجرائم بحق المدنيين سواء في حلب سابقاً، أو في مناطق سورية أخرى من بينهم الضابط طلال الدقّاق الذي سبق أن أطعم بعض المساجين لأسود يُربيها في أحد مراكز النظام الأمنية.
الملاحظ، ان ايران تُحاول اليوم، تُضفي نوعاً من الشرعية لعملها في الداخل السوري وأن تمنح نفسها “صك براءة” في سعي لمحو جرائمها ومساندتها النظام السوري في مجازره، فبعد تمددها المذهبي والديموغرافي والتربوي، وأيضاً بعد توقيعها إتفاقية تعاون عسكري مع النظام السوري تحت عنوان “إعادة بناء القوّات السورية”، ها هي اليوم تختبئ وراء تسمية “قوات حفظ السلام”، ظنّاً أن ما ارتكبته في زمن الحرب، قد تُبدده تسمية “السلام”.